ما ليْ أَحِنُّ لِمَنْ لَمْ أَلْقَهُمْ أَبَدَا / وَيَمْلِكُونَ عَلَيَّ الرُّوحَ والجَسَدَا
إنى لأعرِفُهُم مِنْ قَبْلِ رؤيتهم / والماءُ يَعرِفُهُ الظَامِى وَمَا وَرَدَا
يا سلام على الجمال، إنه الشاعر الرائع تميم البرغوثى فى الأبيات الأولى من قصيدته «البردة»، حيث يملك كعادته المقدرة الشعرية على أن يختطف القارئ أو المستمع مع أول بيت فى القصيدة.
أليس هو تميم البرغوثى صاحب قصيدة «فى القدس» التى افتتحها بقوله:
مرَرْنا عَلى دارِ الحبيب فرَدَّنا / عَنِ الدارِ قانونُ الأعادى وسورُها
فَقُلْتُ لنفسى رُبما هِيَ نِعْمَةٌ / فماذا تَرَى فى القدسِ حينَ تَزُورُها
تَرَى كُلَّ ما لا تستطيعُ احتِمالَهُ / إذا ما بَدَتْ من جَانِبِ الدَّرْبِ دورُها
وما كلُّ نفسٍ حينَ تَلْقَى حَبِيبَها / تُسَرُّ ولا كُلُّ الغِيابِ يُضِيرُها
إنها حروف البدايات عنده التى تثير التأمل وتبعث بحالة من الشجن النبيل، فما بالنا حين نخطو معه عبر قصيدته الرائعة التى كتبها على طريق «البوصيرى» فى بردته الشهيرة، التى سبق أن سار على نهجها أمير الشعراء «أحمد شوقى» فى قصيدته «نهج البردة» التى ذاعت وانتشرت بإبهار كوكب الشرق للشرق بغنائها لها فى أوائل القرن الماضى.
بردة تميم يقول فيها عن تمسك السابقين بالدين رغم التعرض للتعذيب من أعداء الدين:
بِمَا رَأَى مِنْ عَذَابِ المُؤْمِنِينَ بِهِ / إِنْ قِيلَ سُبُّوهُ نَادَوْا وَاحِدَاً أَحَدَا
وعن المتمسكين بالدين وما يواجهونه من الذين مازالوا أعداء للإسلام يقول:
كَمْ مِنْ بِلالٍ عَلَى أَضْلاعِهِ حَجَرٌ / قَدْ رَاحَ مِنْهُ عَلَى أَشْغَالِهِ وَغَدَا
ومتأملا فى كراهية الكفار الأوائل للإسلام، وما اعتبره استمرار الرغبة فى الـ«القود» أو الثأر من أحفاد المسلمين أو الذين مازالوا متمسكين بالإسلام والدفاع عنه يقول:
يَدْرِى بَأَنْ قُرَيْشَاً لَنْ تُسَامِحَهُ / وَأَنْ سَتَطْلُبُ مِنْ أَحْفَادِهِ القَوَدَا
وينصح بالسير على هداه:
يَا مِثْلَهُ لاجِئاً يَا مِثْلَهُ تَعِبَاً / كُنْ مِثْلَهُ فَارِسَاً كُنْ مِثْلَهُ نَجُدَا
وفى ربط بين التابعين للحاكم الظالم وبين الكفر يقول:
وَرُبَّمَا أُمَمٍ تَهْوَى أَبَا لَهَبٍ / لليَوْمِ مَا خَلَعَتْ مِنْ جِيدِهَا المَسَدَا
مِنَ المُطِيعِينَ حُكَّامَاً لَهُمْ ظَلَمُوا / وَالطَّالِبِينَ مِنَ القَوْمِ اللئامِ جَدَا
«بردة البوصيرى» كانت 167 بيتا، و«نهج البردة» لشوقى 190 بيتا، أما عدد أبيات «بردة تميم» فقد بلغت 200 بيت هى سبيكة من الدين ومدح المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وأنين ضد المظالم، أسلوب فخم، ومفردات ثرية، ونَفَس طويل كعادته، وسياسة وتاريخ وحاضر وأمل .•