صباح الخير
عزة بدر
حساب قومى للسعادة
إلى المزيد منها؟ هل ترى حياتك تسير بصورة جيدة؟ وإذا لم تكن سعيداً فماذا يمكنك أن تفعل؟
فى كتابهما «السعادة ـــ كشف أسرار الثروة النفسية» يقول إد داينر، وروبرت داينر وهما من أساتذة علم النفس الإيجابى ومتخصصان فى دراسة علم السعادة: «إن الثروة النفسية مثل مجموعة الفيتامينات المتعددة تساعدنا فى نواح كثيرة لكنها ليست سحرا، ولن تحل جميع مشاكلنا لكن لها آثاراً منشطة تماما مثل الفيتامينات التى يمكن أن تعزز من الصحة فالثروة النفسية لن تعطيك بصورة آلية كل ما تريده لكنها أفضل هدف فى الحياة».
فى هذا الكتاب المهم الذى نقلته إلى العربية مها بكير، وصدر عن المركز القومى للترجمة.
أسرار عديدة حول كيفية تنمية الثروة النفسية للفرد والأمة بل يطرح الكتاب قضية مهمة وهى ضرورة وجود حساب قومى للسعادة يوازى حسابات الاقتصاد القومى لأن المجتمعات تهتم بكل ما يمكن قياسه وعندما تتوافر المقاييس تحاول المجتمعات اتباع الخطوات التى من شأنها تنمية المجتمع وذلك عن طريق إقامة حوار مجتمعى حول زيادة حسن حال المجتمع ككل، ودراسة ازدهاره الانفعالى.
• حسن الحال
ما الذى يمكننا متابعته فى الحسابات القومية لحسن الحال، إن هناك مجموعات كثيرة مستهدفة يمكننا اختبارها إذا توافرت لدينا الحسابات القومية لحسن الحال فيمكننا مثلاً تتبع إجابة سؤال: هل أطفالنا أكثر سعادة أو أقل سعادة مما سبق؟ ومن هم الأطفال الذين يواجهون المشاكل أو يعانون من زيادة الضغط أو الاكتئاب؟ وهل توجد نسبة كبيرة من الأطفال فى حالة ازدهار؟ ويمكننا أيضاً تتبع العمال، ومن منهم سعيد بعمله؟ ومن منهم يكره ما يقوم به من عمل ولماذا؟.. إن معظم الناس فى الدول الصناعية يسجلون درجات فوق مستوى المحايد فى مقاييس السعادة، ومع ذلك فإن الضغوط النفسية من السمات التى يتعرض لها الكثيرون فى المجتمعات الحديثة فهناك من لا يلائمهم العمل، أو يعانون غالباً من الملل والضغط، لكن الحقيقة المؤكدة هى أن عدداً كبيراً من الناس يمكنهم أن يكونوا أكثر سعادة، وأكثر حباً للعمل واندماجاً فيه، وعددا كبيرا من الأطفال يمكنهم الاستمتاع بالمدرسة بدرجة أكبر.
• الآخرون
المال والازدهار الاقتصادى يعدان معيارا واحدا للنجاح لكن الحسابات القومية للسعادة من الممكن أن توفر إطاراً أعرض لتقييم التقدم وتساعدنا فى حساب تقدمنا بعوامل أخرى، بالإضافة إلى المال مثل العمل الملائم، والأطفال السعداء، وأوقات الراحة المجزية، وأن تكون لنا أهداف وقيم نهتم بها أكثر من سعادتنا الوقتية، وتقدير ما نؤمن به من قيم والتأكد من أننا نحيا حياة متناغمة ويعتبر هذا جزءاً أساسياً من الثروة النفسية.
ويؤكد إد وروبرت داينر أن الآخرين مهمون جداً من أجل سعادتنا إننا نريد أن نجد المعنى والراحة فى علاقاتنا، وبعض الناس يحتاجون عدداً كبيراً من أفراد الأسرة والأصدقاء من حولهم، وهناك آخرون يحتاجون فقط إلى عدد قليل من العلاقات القوية لكننا جميعا نحتاج الناس لنحبهم ويحبوننا، وأحد مفاتيح العلاقات الوثيقة يتمثل فى التفاعلات الإيجابية مع الآخرين فى معظم الأوقات، إن العالم بلا ناس يهتمون بنا ونهتم بهم يكون بارداً وبلا حياة فنحن بحاجة إلى الآخرين، وتلبية احتياجاتهم لكى نتمتع بالثروة النفسية.
• المال غير كاف!
لكى نكون سعداء هل نحن بحاجة إلى أن نكون أغنياء؟
لا لسنا بحاجة إلى أن نكون أغنياء ولكن الاكتفاء المادى البعيد عن الفقر يساعد كثيراً فى السعادة، وعلى الرغم من أن الأثرياء يميلون فى المتوسط أن يكونوا سعداء فإننا يجب أن نأخذ حذرنا من المادية أى تقدير المال والأشياء أكثر من تقديرنا للناس، والحب، والقيم المعنوية الأخرى لأن زيادة رغباتنا المادية إلى ما لانهاية ستشعرنا بالفقر مهما بلغنا من ثراء، فالصحة والاكتفاء المادى من العوامل التى تساعد فى الشعور بالسعادة لأنهما يحرران الذهن فيتفرغ لأشياء أخرى ولكنهما غير كافيين، وإذا كان السعى من أجل الثروة يتعارض مع علاقاتنا والأوجه الأخرى للثروة النفسية فإن سعادتنا وسعادة الآخرين من حولنا ستتعرض للمعاناة.
• ما هى السعادة؟!
وعلى الرغم من أن السعادة من الاهتمامات الإنسانية على مدار ذاكرتنا الجماعية فإن هناك تعريفات عديدة للسعادة وكما يقول إد وروبرت باينر: «إن علم السعادة جديد، وهناك الكثير الذى مازلنا لا نعلمه فإذا قلنا على سبيل المثال إن الزواج يؤدى إلى زيادة سعادة الناس فإن هذا هو رد الفعل المتوسط، فهناك أيضاً بعض الناس سيكونون تعساء بسبب الزواج، وعلم السعادة ليس فى المرحلة التى يمكن فيها تحديد الأشخاص الذين تنطبق عليهم التعميمات، وكذلك عندما نقول إن الأثرياء والمتدينين والاجتماعيين يكونون أكثر سعادة فهذا أيضاً يعتمد على المتوسطات وقد لا ينطبق على الجميع».
السعادة التى كتب عنها أرسطو الذى وازن السعادة بالحالة المرغوبة التى تأتى مع العمل الفعال وظروف الحياة الإيجابية، يراها أتباع مذهب المتعة سعادة نتيجة إرضاء الانفعالات فى المساعى السارة، واعتقد الرواقيون اليونانيون أنه من الأفضل تجنب الحزن من خلال التمكن والسيطرة الذاتية، وفى العصور الحديثة كان كتاب «الدا لاى لا ما» وهو بعنوان: «فن السعادة» قد حقق أكبر مبيعات فى جميع أنحاء العالم مما يثبت أن هذا الشعور يحظى بالتفكير والاهتمام، وتعتبر السعادة حالة نفسية عريضة تعتبر الانفعالات جزءاً واحداً منها فقط، والسعادة الكاملة تضم المتعة والمعنى فى آن واحد، يؤكد بعض الناس «أن السعادة فى القناعة، ويركز آخرون على البهجة وبالتأكيد أن السعادة هى مجموعة من الانفعالات السارة، بالإضافة إلى تقييم الشخص لحياته وكيف تسير؟ فمن الضرورى أن يكون هناك التوازن المطلوب بين المتعة والمعنى لأن المتعة الزائدة على الحد دون وجود هدف من الممكن أن تدمر صاحبها، وتتركه فى حالة خواء، وكذلك فإن التركيز الشديد على الأهداف دون الشعور الحقيقى بالمتعة يؤدى إلى الشعور بنقص ما».
• مقاييس الذاكرة.. وقائمة الأفكار
عندما بدأ «إد داينر» دراساته عن السعادة ركز فى البداية على كيفية قياسها وقد توصل إلى ميزان جديد لتقييم حالة الرضا عن الحياة وتمثل تركيزه الأكبر على اختيار مقاييس السعادة وهل هى فعالة؟ واكتشف أنه يمكن قياس السعادة بطرق عديدة مختلفة فقد استخدام «ديفيد سون» طبيب الأمراض العصبية تصوير المخ لقياس نشاطه لدى الأشخاص السعداء وقد حقق خطوات واسعة لتعريف مناطق المخ التى ترتبط بالسعادة مثل قشرة مقدمة الفص الجبهي، ورأى أن نشاط الجزء الأمامى من الشق الأيسر من المخ خلف الحاجب الأيسر تظهر بدرجة أكبر لدى الأشخاص السعداء، بينما يزيد نشاط المخ فى الجانب الأيمن خلف الحاجب الأيمن لدى الأشخاص الاكتئابيين.
أما عالم النفس «جون كاسيويو» فقد اهتم بقياس الحركات الدقيقة فى عضلات الوجه والمرتبطة بالانفعالات المختلفة عندما عرض على المشاركين صورا مبهجة وأخرى محايدة وتبين له أنه فى غياب أى تهديدات ملحوظة من المرجح أن يميل الأشخاص السعداء إلى رؤية البيئة العادية بصورة إيجابية، وهناك توجه آخر لقياس السعادة وذلك من خلال قياس الهرمونات التى تسرى بالدم والمخ، فعلى سبيل المثال فإن مستويات الهرمونات الطبيعية مثل الدوبامين والسيروتوبين تنتشر فى مناطق معينة من المخ ترتبط بالمشاعر الخاصة بالسعاة، لكن الطريقة الأكثر استخداماً لقياس حسن الحال هى سؤال الناس عن مدى سعادتهم، فالناس ماهرة فى مراقبة انفعالاتها، ويعرفون بصفة عامة مدى سعادتهم، وكذلك تستخدم مقاييس الذاكرة بالنسبة للأحداث الجيدة والسيئة التى وقعت فى الماضى القريب، فالأشخاص السعداء يميلون إلى الاستعادة السريعة للكثير من الأحداث الإيجابية مثل نزهة جميلة، أو جلسة فكرية مثمرة بالعمل أما الأشخاص المكتئبون فلديهم عادة التركيز على سلبيات الحياة فمن السهل عليهم تذكر المشاكل الحديثة ونواحى الفشل والاستياء والنكسات.
أما عالم النفس الشهير «دانيال كاهنمان» وزميلته «تاليا ميرون» فقد استخدما قائمة الأفكار اليومية التى تمت صياغتها رمزيا وفقاً لفئات إيجابية وسلبية وتلك وسيلة أخرى لتقييم السعادة.
إن علماء النفس بإمكانهم قياس السعادة مثلما يقيس علماء الاقتصاد الدخل وذلك بدرجة جيدة لكن ليست كاملة، وعندما يتم استخدام عدة مقاييس للسعادة معاً يمكننا الحصول على مقياس أقرب للدقة.
• الانفعالات السلبية
ومن الطريف أن نعلم أن قدراً من الانفعالات السلبية فى الأوقات المناسبة يعتبر مفيداً، فالمرء ليس بحاجة لأن يكون فى سعادة غامرة حتى يكون أداؤه الوظيفى جيداً.
والانفعالات السلبية مثل الحزن أو الشعور بالذنب لها وظيفتها عندما نمر بها ولو لفترة قصيرة، ولكن لها جانبا هداما لأنها تتغذى على نفسها وخطورتها ليست فى المرور بخبرتها وإنما فى الشعور بالراحة معها بحيث تنافس انفعالاتنا الإيجابية فى التكرار والحدة، ويقول «إد داينر» أن الانفعالات الإيجابية يمكنها أن تنظم وتثبط المشاعر السلبية ومن حسن الحظ أن السعادة يمكن أن تشكل جدارا انفعاليا يحمينا من الاستمرار فى إيذاء أطراف علاقاتنا، فعلى سبيل المثال: الخلافات السلبية الشديدة بين الزوجين قد تتحول إلى ضحك ساخر بحيث يتعجب الزوجان من سخف ما بدا منذ لحظات «شىء لا يستحق الشجار بشأنه»، هذا هو دور دفاعنا الإيجابى الطبيعى لإنهاء مباراة السلبية.
• ثروتك النفسية
لقد عانت السعادة تاريخيا فعدد كبير من الناس يفكر فى السعادة كأمر سطحى وأنانى ولطيف وساذج فيقول البعض: «إن السعادة لا يمكن أن تدوم»، ويقول الساخرون «إن البهجة شعور غير واقعي»، وينظرون إلى السعى نحو السعادة كمضيعة للوقت ولكن الأبحاث تشير إلى فوائد الانفعالات الإيجابية فى أنها تساعد الناس على الاتصال بالأصدقاء، والتفكير بصورة أكثر إبداعا، والاهتمام بالأنشطة الجديدة، فالسعادة فى حد ذاتها تعتبر مورداً يمكن أن تأخذ منه من أجل تحقيق الأشياء التى ترغبها فى الحياة، والسعادة هى حجر الزاوية للثروة النفسية ويرجع ذلك إلى أنها عملية انفعالية يمكن أن تنفق منها على الأهداف المرغوبة الأخرى مثل الصداقات والنجاح فى العمل فعندما نشعر بالإيجابية والطاقة فإننا غالباً نحقق أكبر المكاسب فنفكر فى أفكار جديدة، ونمارس هوايات جديدة، ونعتنى بعلاقاتنا، ونحافظ على صحتنا ونجد معنى للحياة، كذلك فإن جزءاً من نوعية حياتنا وسعادتنا ترجع إلى توجهنا الشخصى وتفسيرنا للعالم فيبدو البعض فى حالة تفاؤل دائم بينما تؤدى المشاكل الصغيرة إلى الغضب والاكتئاب بالنسبة للبعض الآخر، إن تنوع العمليات العقلية اليومية له أكبر الأثر فى شعورنا بحسن الحال بما فى ذلك أيضا التكيف والتنبؤ الانفعالي، والاتجاهات الإيجابية فإذا جمعت كلها معاً فإنها تصبح جزءاً مهما من ثروتك النفسية.
• الوجود ــــ الحب
ومن أجمل فصول الكتاب ما خصصه «إد داينر وابنه روبرت» عن علاقة الحب والزواج فيفسران لماذا يبدو الحب كالصديق المتقلب إذا لا بد من النظر إلى الحب وفقاً للخط الزمنى ابتداء من اللحظات الأولى المثيرة التى يحدث فيها التقاء أعين الطرفين حتى الشعور بنوع آخر من العاطفة فى العمر المتقدم، خط زمن الحب يبدأ بهذا الاندفاع المكثف للشعور الإيجابى الذى يتميز بالافتتان بالشخص الآخر، وترتبط مرحلة التعارف هذه بإفراز الدوبامين والأدرينالين، والأشخاص المفتونون يشتاقون غالباً للتواجد معا ليشعروا بالسعادة، ولكن هذه المرحلة من الحب لا تستمر، فمن الطبيعى أنه بعد مرور بضعة أشهر أو عام أو عامين على الأكثر يفسح الحب الرومانسى الطريق أمام علاقة مركبة تتميز بالصحبة فإذا كان الافتتان يتعلق بالتغاضى عن عيوب الشريك والشعور الطيب فإن حب الصحبة هو الاستعداد لتقديم العطاء للآخر فهما يمارسان ما أطلق عليه «إريك فروم»: «الوجود ـــ الحب» أى الشعور بالرضا نتيجة للقيام بأشياء من أجل الطرف الآخر، صحيح أن الولع ربما يخفت قليلاً وربما يشعر أحد الطرفين أنه صديق أكثر منه حبيب وهذا دليل على أن العلاقة فى حالة نمو وليس موتاً كما يعتقد الكثيرون بطريق الخطأ وعندما يصل المرء إلى النقطة التى يشعر فيها بالرضا عندما يقدم عطاءه للآخر فإن هذا النوع من الحب الناضج يمكن أن يصبح مصدراً ثابتاً للسعادة.
• العمل نداء
أين موقع قيمة العمل فى معادلة السعادة؟
يقول إد داينر: «إن الأشخاص الذين يشعرون بالرضا عن عملهم سوف يستمتعون بجزء من حياتهم مقارنة بهؤلاء الذين يكرهون وظائفهم حيث يمكن التعرف على الموظف السعيد فهو الذى يبتهج ويتطلع إلى الذهاب للعمل ومتحمس لأداء وظيفته كما أنه جدير بالثقة وأداؤه جيد، وعلاقته طيبة بالآخرين وهناك طريقتان فى العمل: الأولى هى النظر إليه كتوجه مهني، يحفز على الترقيات، والحصول على العلاقات، والحصول على العلاوات، وزيادة المسئولية الإشرافية، والحصول على مكتب أكبر حجما، وزيادة فى المكانة الاجتماعية، وهناك طريقة أخرى وتتمثل فى هؤلاء الذين يعتبرون العمل نداء، إنهم يعشقون عملهم، ويشعرون أنه مهم، ويقدم إسهاما للعالم كما يشعرون بالحماس والتحدى تجاه هذا العمل ويؤمنون بما يفعلون، ويستمتعون غالبا بالإجازة، ولكنهم يستمتعون أيضا بالعودة إلى العمل ولذا فالاستمتاع بالعمل يرجع إلى شعورك تجاهه فإذا كنت تعتبره عبئا ثقيلا يجب تحمله فإنه سيظل كذلك طول اليوم، وإذا قررت أن العمل فرصة لتنمية مهاراتك ومساعدة الآخرين وتحسين العالم فمن المرجع أن يصبح ممتعا لكن من الضرورى أن تجد الوظيفة المناسبة لك، وألا تقع فى خطأ البحث عن الدخل فقط وتتجاهل ضرورة أن يناسب العمل اهتماماتك وقدراتك وهذا من شأنه أن يعزز شعورك بالمعنى والرضا وبالتالى يعزز ثروتك النفسية».
• الضغط والإجهاد
ومن الأمور التى تدعو للتفكير أن الدول الغنية ازدادت ثروتها المادية، ولكن الشعب فى المتوسط لم يصبح أكثر سعادة، وذلك بسبب أن الناس الذين يريدون كل شيء غالبا ما يشعرون بالضغط والإجهاد، ولا يوجد لديهم الوقت الكافى للأسرة والأصدقاء فهم يعملون فترات أطول لتحقيق الغايات وكما قال هربرت هوفر: «عندما تتحقق الغايات يقوم أحدهم بزيادة».
وهذا من شأنه أن يقلل الإحساس بالسعادة.
• القدرة على التكيف
وعن أسرار الثروة النفسية يقول «إد داينر»: إن التكيف هو الآلية النفسية المسئولة عن التحكم فى خط الأساس الانفعالي، والتكيف مع الظروف الجديدة يسمح لنا بتعلم مهارات جديدة وتحمل التغيير، والسعى لتحسين أوضاعنا، ويعمل التكيف أيضا مثل حائط صد أمام الأحداث السيئة فى حياتنا، ويجنبنا الخضوع المستمر للسلبية، وإذا كان التكيف مع الأوقات الصعبة من الأمور المرغوبة فماذا عن فائدة التكيف فى الأوقات الطيبة؟
هنا يكون للتكيف وظيفة مهمة تفيد العودة إلى خطنا المعتدل للسعادة الذى يسمح لنا بتجربة الانفعالات البهيجة، والسعادة الغامرة عند وقوع الأحداث الاستثنائية، كما أن الثروة النفسية تشمل أيضا القدرة على التعامل مع الأحداث السيئة وذلك بتنمية قدراتنا على التكيف.
• صندوق اللعب النفسى
ومن أسرار الثروة النفسية أيضا تقع فى فخ اتخاذ القرارات السيئة فتجاهل إشارات التحذير الانفعالى تؤدى إلى اتخاذ قرارات سيئة، ولذا فلا بد أن يتحلى المرء بالبصيرة الانفعالية، وبمرور الزمن نصبح خبراء فى انفعالاتنا، ونتمكن ليس من اكتشاف أمزجتنا الحالية فقط، ولكن يمكننا التنبؤ بشعورنا فى المستقبل، إننا لسنا بحاجة لكى نتعرض للعذاب لنعلم أن أمرا ما سيكون غير سار، ومن الفخاخ التى يقع فيها المرء فيتخذ قرارات سيئة هذا الفخ العقلى الشائع وهو »خداع التركيز« وهو التركيز على صفة أو ميزة من الميزات الإيجابية عند الاختيار والتغافل عن الجوانب المهمة الأخري.
لا بد أن نفكر فى اختياراتنا وماذا سيكون عليه الأمر بعد زوال الاندفاع المبدئى للاستحواذ عليها، والتساؤل عما يجعلنا نرغب فى الشيء، وعما إذا كان سيجعلنا نستمر فى الميل لهذا الشيء؟ أم هل يتلاشى ويرسل إلى صندوق اللعب النفسي؟.. التركيز والتحلى بدرجة من الدقة من الأمور المهمة لأنه يساعد على تشجيعنا لكى نسعى نحو الخبرات الإيجابية ذات المعني، ونتجنب التجارب غير السارة بل إن الناس الذين يعانون من الفقر النسبى «فى الممارسة والخبرة» ربما لا يتمكنون من تحديد ما الذى يجعلهم سعداء، ويستمرون فى الاختيارات السيئة طوال حياتهم.
• التفكير الإيجابى
وهو لا يعنى تجاهل الأحداث السلبية أو التظاهر بأن الحياة أفضل فى مواجهة المحن، إن التفكير الإيجابى لا يملك القوة السحرية لتغيير الأشياء كما أن النظرة المبتهجة وحدها ليست كافية للتغلب على المصاعب، ولكن التفكير الإيجابى هو تهيئة العقل بحيث يلاحظ النعم أكثر من الاهتمام بالأشياء اليومية المزعجة فالتمتع بالتفكير الإيجابى غالبا ما يؤدى إلى المزيد من المكاسب فى السعادة أكثر من تغيير ظروف الحياة.
• ثروة قومية
وعندما نعتقد أن حياتنا تسير بصورة جيدة فإننا نشعر بالسعادة التى تشمل جميع الانفعالات السارة التى تتراوح ما بين البهجة والحب والعرفان بالجميل، وكل المشاعر التى نشعر أنها إيجابية وممتعة وعندما ننشئ حسابا قوميا للسعادة فهذا معناه أننا نهتم بالمجال الكامل لمشاعر الناس السارة، نسأل عن التناسق والسلام والحماس والبهجة والكبرياء والرضا.
نسأل عن صحة الناس، وعلاقاتهم الاجتماعية، والنجاح فى العمل، وطول العمر.
ومن هنا نستطيع أن نقول إن الثروة النفسية هى أيضا ثروة قومية. •
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف