الوطن
امال عثمان
صفحات من جريمة كاملة الأركان!! (1)
كنت أتجاذب أطراف الحديث مع شخصية مرموقة حول الأوضاع فى مصر، والقضايا المصيرية التى نواجهها حين باغتنى متسائلاً: هل كانت إثيوبيا تجرؤ على بناء سد النهضة إذا كان مبارك ما زال فى الحكم؟! أجبت على الفور: أستطيع القول يا سيدى، بملء الفم وبضمير مطمئن وقلب يشتعل غضباً، إن الرئيس حسنى مبارك وحكوماته المتعاقبة السبب الحقيقى فيما وصلت إليه قضية سد النهضة، والتى قد تتحول فى أى لحظة إلى أزمة من أخطر الأزمات، وإذا كان هناك جريمة كاملة الأركان فيجب أن يحاكم عليها بحق مبارك ونظامه، فهى الإهمال المتعمد لقضية مياه النيل، والتجاهل المقصود لمشروع السدود الإثيوبية، وتمزيق الروابط الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، ليس مع دول حوض النيل فحسب، وإنما مع كل الدول الأفريقية!

فمنذ تعرُّض مبارك لمحاولة الاغتيال فى أديس أبابا عام 1995، أعطى ظهره للقارة السمراء، ضارباً عرض الحائط بمصالح الوطن، وبالبعد الاستراتيجى لعلاقاتنا الأفريقية!! وكانت النتيجة تصاعد النفوذ الإسرائيلى بقوة، وتوقيع «اتفاقية عنتيبى» عام 2010 فى أوغندا، والتى لا تقر بحصة مصر المائية، ولا تعترف بالاتفاقيات والمعاهدات التاريخية، وقد حذر د. بطرس غالى، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، مراراً وتكراراً من مخاطر تجاهل العلاقات مع إثيوبيا، وأبدى مخاوفه من السياسة المصرية وإهمال ملف السودان ومشكلة مياه النيل دون جدوى. لذا دوّن الرجل شهادته للتاريخ فى كتابه «فى انتظار بدر البدور» الذى يحمل إدانة دامغة ووقائع مريرة تكشف جريمة تعاطى نظام مبارك مع جذور تلك القضية المصيرية التى باتت تهدد أمن الوطن اليوم، وكشف فى الكتاب غطرسة وحماقة نظام الرئيس الأسبق فى تعامله مع مبادرة رئيس الوزراء الإثيوبى السابق «ميليس زيناوى» عام 1998، حين طالب بفتح صفحة جديدة من التعاون المشترك بين البلدين فى مجالى تقاسم مياه النيل، ومحاربة الأصولية والتطرف، وأبدى قلقه من روح العداء التى تبديها مصر تجاه الحبشة، لكن المبادرة لم تلق أى آذان مصغية، سواء من أسامة الباز المستشار السياسى للرئيس فى ذلك الوقت، أو من عمرو موسى وزير الخارجية آنذاك، أومن مبارك الذى قابل حديث الأمين العام السابق بتجاهل تام!!

يا سادة، إن قضية الصراع على مياه النيل الذى يهدد أمننا المائى والغذائى جذورها بعيدة، وهناك العديد من الدراسات والكتب التى تكشف علاقة إسرائيل بدول حوض النيل، والتغلغل الصهيونى المتزايد فى هذه الدول بهدف إذكاء نيران الفتن والوقيعة والمؤامرات، كما توضح الأهداف الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية التى تجنيها الدولة العبرية من هذا التوجه، وفى مقدمتها تأمين متطلباتها الاستراتيجية البحرية فى البحر الأحمر، وكسر طوق العزلة المفروض عليها من قبَل الشعوب العربية، كما تعود بالفائدة على الاقتصاد الإسرائيلى فى مجالات التعاون الأمنى والعسكرى، ومشاريع المياه والزراعة، هذا إلى جانب تأمين تصويت هذه الدول فى الأمم المتحدة والمحافل الدولية لصالحها!

ويأتى الاهتمام بقضية مياه النيل على رأس الاهتمامات الصهيونية لما تمثله من أهمية استراتيجية تحقق أطماعها فى الحصول على حصة ثابتة من المياه، ولتضييق الخناق على مصر وتركيعها اقتصادياً، لذا قدمت تل أبيب كل الدعم والمساندة للحبشة فى مشروع سد النهضة، ومدت المشروع بالخبرات الفنية والمعدات والحفارات، وحتى الوجبات الغذائية التى يحتاجها العمال تأتى من تل أبيب!!

والعلاقات الإسرائيلية الإثيوبية ليست وليدة الأمس، وإنما كانت الحبشة بمثابة قاعدة استخباراتية للموساد منذ عام 1952، وذلك تحت غطاء اتفاقيات تبادل تجارى لاستيراد الأبقار، ثم نمت عبر مجالات الزراعة والصحة والتدريب، وسرعان ما طورت إسرائيل تلك العلاقة وأرسلت وفداً عسكرياً إسرائيلياً دائماً فى منتصف الستينات، تولى تأهيل وتدريب الجيش الإثيوبى، وبلغت العلاقات بين البلدين أوجها عام 1973، إلا أن منظمة الوحدة الأفريقية مارست ضغوطاً على أديس أبابا لقطع العلاقات مع تل أبيب، ولكن سرعان ما عادت العلاقات بعد عودة القتال مع إريتريا، وتم إبرام صفقة سرية يتم بمقتضاها تهجير اليهود مقابل صفقات السلاح الضخمة!! وللحديث بقية..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف