د. اكرام بدر الدين
تحديات من داخل البرلمان وخارجه
بانتهاء الانتخابات النيابية المصرية تكون البلاد قد نجحت في تحقيق انجاز هام وهو استكمال البناء المؤسسي، وتحقيق الخطوة الثالثة من خارطة مستقبل مصر السياسي والتخلص من الفراغ المؤسسي الذي شهدته مصر لفترة ثلاث سنوات، ولكن يلاحظ إن وجود المجلس النيابي بعد هذا الانقطاع ربما يكون بداية لأشكال مختلفة من الصعوبات والتحديات المرتبطة بالبرلمان سواء كانت هذه التحديات نابعة من داخل البرلمان نفسه أو مرتبطة بعوامل وقضايا خارج المؤسسة التشريعية، وفيما يلي توضيح لهذه القضايا و المشكلات:
أ- تحدي تشكيل الأغلبية البرلمانية، فوجود أغلبية داخل البرلمان يعتبر من الأمور شديدة الأهمية لضمان حسن سير وانتظام العمل التشريعي سواء كانت هذه الأغلبية هي أغلبية النصف+1، أو أغلبية خاصة أي أغلبية الثلثين أو أكثر، حيث إن اصدار أي تشريع يتطلب الحصول على الأغلبية داخل المجلس، وهو ما يتطلبه أيضا الموافقة على رئيس الحكومة وبرنامجها وغير ذلك من القضايا الهامة، وتتمثل المشكلة في عدم حصول أي حزب على الأغلبية في الانتخابات التشريعية، كما أن الائتلافات الحزبية تتسم بدرجة كبيرة من السيولة بمعنى إمكانية الدخول أو الخروج من الائتلاف، فضلا عن أن الأحزاب مجتمعة لم تحصل على أغلبية المقاعد في مجلس النواب مما يجعل من المستقلين رقما هاما في أي معادلة لتكوين ائتلاف يمثل الأغلبية، ويمكن في هذا الإطار إثارة صعوبة إضافية تتمثل في عدم جواز تغيير الصفة الانتخابية، بمعنى أنه لا يجوز وفقا للقانون أن يغير العضو المستقل صفته كمستقل وينتمي إلى حزب معين وإن كانت هذه المشكلة يمكن أن تجد الحل في أن يكون الائتلاف مع المستقلين لأغراض تصويتية وليس لأغراض مؤسسية بمعنى أن المستقلين يرتبطون بكتلة أو ائتلاف حزبي بهدف تشكيل الأغلبية التصويتية دون تغيير الصفة الانتخابية، وإن كان الانتقاد في هذه الحالة هي المرونة الكبيرة أو السيولة والتي بمقتضاها يستطيع الأعضاء المستقلون تغيير مواقفهم من قضية إلى أخرى نظرا لعدم ارتباطهم تنظيميا بحزب معين، ولذلك فالتحدي الحقيقي في هذه الحالة هي إنه لا يوجد ما يضمن ثبات موقف متماسك للكتلة البرلمانية أو الإئتلاف الذي يستطيع الحصول على الأغلبية، رغم أهمية تحقيق ذلك لضمان حسن سير النشاط البرلماني، وتثير المنافسات الحزبية والمنافسات بين الكتل الحزبية صعوبات اضافية تصل إلى حد الاعتراض على تكوين الأغلبية البرلمانية، وذهب البعض إلى تصوير ذلك بإنه اعادة استنساخ للحزب الوطني المنحل.
ب- تحدي رئاسة البرلمان، وقد أثار ذلك العديد من الآراء المتناقضة حول الشخصية المناسبة لرئاسة البرلمان، وهل تكون من الأعضاء المنتخبين أم من الأعضاء المعينين، بالإضافة إلى وجود اتهامات متبادلة حول أساليب اختيار الشخصية المناسبة لرئاسة البرلمان، ولعل مما يزيد من صعوبة هذه العملية عدم وجود حزب حاكم يمكن أن يرتبط به وينتمي إليه رئيس البرلمان كذلك هناك تحدي يمثله تولي وكالة البرلمان، فضلا عن رئاسة ووكالة اللجان البرلمانية المختلفة في ضوء منافسات متوقعة بين الأحزاب والائتلافات الحزبية والأعضاء المستقلين.
ج- تحدي القوانين الصادرة في غياب البرلمان والتي تقدر بعدة مئات، ويتطلب الأمر إقرارها من جانب البرلمان في فترة زمنية محدودة لا تتجاوز خمسة عشر يوما، ولعل الأمر الأكثر خطورة في هذا الصدد هو ما ينادي به البعض من عدم عرض هذه القوانين على مجلس النواب وهو ما يعد انتهاكا خطيرا للدستور ولنصوصه، ويتطلب الأمر التحوط لما يمكن أن يحدثه ذلك من خلافات وصراعات وتوترات غير مطلوبة في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها الوطن، وربما يكون الأكثر مناسبة هو البحث عن مخرج دستوري يتمثل في عرض هذه القوانين على المجلس التشريعي وعدم تجاوز المهلة الزمنية التي يحددها الدستور.
د- تحدي تغيير الدستور والأولويات التشريعية، فليس من المناسب أن يبدأ المجلس التشريعي عمله بتعديل دستوري، فالدستور لم يطبق بعد، ويتطلب الأمر تطبيقه لفترة زمنية وإذا أثبت التطبيق أن هناك مادة أو أكثر تحتاج إلى تعديل فإنه يمكن في هذه الحالة تعديلها على أن يكون هذا التعديل مرتبطا بالمصلحة الوطنية، كذلك من التحديات التي تواجه البرلمان الجديد هي تحديد أولويات الأجندة التشريعية، فالمهام والأعباء كثيرة ومتعددة وعلى مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ولذلك يتطلب الأمر تحديد الأولويات التشريعية، و أن يكون عليها توافق، وأن تكون هذه التشريعات تتوافق وتواكب تطلعات وطموحات المواطنين والذين يتوقعون انجازات سريعة وأداء جيد من البرلمان الأول عقب ثورة 30 يونيو، ونتوقع ونأمل أن يكون هذا البرلمان محققا لتوقعات وآمال المواطن المصري الذي أعطى ثقته لممثليه في البرلمان.