الأخبار
الشيخ صالح كامل
كوامل هذا سيد العالمين
في مثل هذا اليوم المبارك الثاني عشر من ربيع الأول.. لأول عام بعد حادثة الفيل الموافق للعام الميلادي 571.. وهب الله الأرض نورها، واختارت السماء رسولها، إلي الناس كافة.. فكان المولد الشريف للحبيب المصطفي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم عليه صلاة ربي وملائكته وسلام الناس أجمعين.
وتقول السيدة آمنة بنت وهب أُم الرسول : لما ولدته خرج مني نور أضاءت له قصور الشام، كما روي ابن سعد.
وقد رُوي أن إرهاصات ببعثته وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفةً من إيوان كسري، وخمدت النار التي يعبدها المجوس. وكأنه إعلام للدنيا ولإمبراطوريتيها الأعظم حينها.. بأن دولة الحق قادمة وأن رسول الهدي قد وُلِد.
وُلِد يتيماً فقد مات عبد الله بن عبد المطلب وهو جنين في بطن أمه.. ثم ماتت أمه وهو ابن السادسة ومات جده عظيم قريش عبد المطلب وهو في الثامنة، فكفله عمه أبو طالب وظل يرعاه إلي ما قبل هجرته الشريفة بنحو ثلاث سنوات..
وكلنا يعرف عن رحلته الأولي عليه الصلاة والسلام مع عمه أبي طالب إلي الشام في تجارة.. وهو ابن الثانية عشرة من العمر.. وكيف عرف بأمره راهبٌ إسمه جرجيس ويُعرف بالراهب بحيرا، لما نزل الركبُ خرج إليهم وأكرمهم بضيافته، وكان لا يخرج قبل ذلك لأي ركْب من التجار، وعرِفَ الراهب رسول الله بصفته، فقال وهو أخذٌ بيده : هذا سيد العالمين، هذا يبعثه الله رحمةً للعالمين. فقال له أبو طالب : وما علمك بذلك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجرٌ ولاشجر إلاّ وخرّ ساجداً، ولا تسجُدُ إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة، وإنّا نجده في كتبنا. وسأل الراهب عمّه أن يرد محمداً، ولا يقدم به إلي الشام، خوفاً عليه من اليهود، فبعثه أبو طالب مع بعض غلمانه إلي مكة.
وحقاً كما يقول الله تعالي : ( ولتجدن أشد الناس مودّةً للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصاري.. ).
وهكذا لازمت عنايةُ الله ورعايتُهُ محمداً ليتجاوز كل ما صادفه من يُتم ومصاعب وعقبات، في حياة الكدح التي تواجد فيها.. ليُثري فيما بعد الحياة كلها وليملأها نوراً وصدقاً وأمانةً ويقيناً.
هذا الأمين عليه الصلاة والسلام والذي جمع في نشأته أرقي ما في الناس من ميزات، وكان نموذجاً للفكر الصائب والنظر السديد، وبَصُرَ بعقله الراجح وفطرته السليمة الحياة والناس، وعايش الناس علي بصيرة من أمره وأمرهم، فما وجد حسناً شارك فيه، لم يشرب الخمر ولم يأكل ما أُهِل لغير الله به، ولم يحضر للأوثان عيداً، بل كان عليه الصلاة والسلام منذ نشأته نافراً من هذه الأصنام الباطلة..
لقد كان عليه الصلاة والسلام تجسيداً صادقاً للفطرة التي فطر الله الناس عليها. ولهذا فديننا الإسلامي هو دين الفطرة التي تتوافق مع طبيعة الرسالة التي خلق الله الناس لكي تستقيم الحياة.. وتتحقق أهداف الخلق ويظهر الحق جلياً واضحاً.
وسبحان من أحسن تأديب نبيه، ليكون في ذاته حجّةً للدين وفي أخلاقه مثلاً وقدوة. فقد كان يمتاز في قومه بأخلاقه الفاضلة وشمائله الكريمة فكان أفضل قومه مروءةً، وأحسنهم خلقاً،وأعزُّهم جواراً، وأعظمهم حلماً، وأصدقهم حديثاً، وكان في الأمانة المثل الذي يُضرَب، حتي أسماه قومُه الأمين، عليه الصلاة والسلام.
ولما قاربت سنّه الأربعين، وكانت تأملاته السابقة في الحياة والناس قد زادت الفجوة العقلية بينه وبين قومه، اتجه إلي غار حراء، ويقضي وقته في التأمل والتفكير فيما حوله من مشاهد الكون، وفيما وراءها من قدرة مبدعة، وهو غير مطمئن لما عليه قومه من شرك وتصورات واهية، ولكن ليس أمامه طريق ولا منهج محدد يطمئن إليه قلبه ويرضاه..
ولقد كان اختيار النبي الكريم لهذه العزلة طرفاً من تدبير مولاه، ربه ليعدّه لما ينتظره من الأمر العظيم.
وكما قالت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : «أول ما بُدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يري رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح «.
ثم جاءه جبريل بالوحي.. وانطلقت إلي الدنيا الرسالة الخاتمة..
وقام رسول عليه الصلاة والسلام الله من حينها أكثر من عشرين عاماً، لم يسترح ولم يسكن، ولم يعش لنفسه ولا لأهله، يحمل علي كاهله كل تكاليف السماء إلي الأرض والبشر، ويحمل عبء البشرية كلها وعبء العقيدة بأجمعها..
وما أحري الأمة كلها أن تحييَ ذكري مولده الشريف لتحيي في ذاتها كل هذه المعاني، التي أصبحنا نعاني في ظل غياب البعض منها عن البعض منا..
لقد صُنعت هذه الأمة بمواصفات هذا الدين الذي جاء به الأمين.. وبدون ذلك سنظل بعيداً عن الدنيا والدين. ( إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ).
وكل عام وأنتم بخير
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف