هذه الأيام، يكون قد مضى على ولادة الهادى البشير، الرسول محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، 1444 سنة، حيث ولد صلوات الله عليه فى مكة يوم الإثنين التاسع( وقيل الثانى عشر) من ربيع الأول عام 571 ميلادية.. فهل تذكرناه حقا بما يليق بذكراه العطرة؟
فى صلاة الجمعة الماضية، قبل عدة أيام، راح الخطيب يعدد لنا صفات الحبيب، وبطولاته، والمعجزات التى صاحبت مولده فى عام الفيل. لكن- ورغم استمتاعنا التام بما ردده الخطيب- إلا أننى كنت أود لو سألته بعض الأسئلة، لكنى طبعا لم أفعل، نظرا لأن مقاطعة الخطيب حرام.. فاكتفيت بترديد الأسئلة لنفسى(فى سرى يعنى) كى لا أزعج بقية المصلين.
كنت أود لو سألته: لماذا نحمل فى وجداننا كل هذا الحب للرسول الكريم؟ ما سر هذا الحب؟ لا شك فى أن لدى الرسول من السلوك، والإنجازات الروحية والعقلية، ما رسخ فينا هذا التراكم العاطفى، والذى لا نحمل مثله لبشر سواه. وطبعا.. نحن مأمورون فى قرآننا الكريم بحب النبى.. لكن منذ متى ونحن جميعا نلتزم بكل ما جاء فى القرآن الكريم بالحرف؟ لماذا عندما يصل الأمر إلى محمد نجد أنفسنا نحبه؟ إن ثمة بالتأكيد أسرارا أخرى.. فما هى؟
مثلا، لماذا عندما يجتمع أبناء البلد لبدء عمل أو مهمة ما نجد منهم من يقول: صلوا بنا على النبى؟ ولماذا إذا أردنا استحسان وجه جميل صبوح قلنا: يا صلاة النبى؟ أو عندما نوشك على إنهاء صفقة- أو بيعة وشروة- يهتف هاتف من بيننا: بالصلاة على النبى مشّوها كذا أو كذا؟ أو إذا تمرد أحدنا على شغل كلف به نقول له كى يتراجع عن عصيانه: يا عمنا صل على النبى وإخز الشيطان؟
.. ثم لماذا عندما تلد نساؤنا يحرصن كل الحرص على تسمية واحد من الأبناء باسم «محمد»؟ وإذا نظرت إحداهن إلى المولود قالت بصوت مسموع: سعيد يا نبى؟ (منعا لعين الحسود) ما السر يا ترى فى أن النبى مرتبط كل هذا الارتباط بما هو عفيف وجميل وآمن وجاد وحقيقى؟
لا.. بل إن ثمة ما هو أخطر. وانظر إن شئت إلى رد فعل أى مسلم إذا- لا سمح الله- تحامق متحامق أرعن، فتطاول على رسول الله بأى إساءة.. ساعتها يغلى الدم فى العروق، وقد يبلغ الأمر حد إراقة الدم؟ ما سر هذا الحب بينما النبى قد رحل عن دنيانا الفانية قبل 1444 عاما؟
.. وهكذا استغرقنى «السرحان» فنسيت الخطيب، وضبطت نفسى متلبسا بهذا السؤال: هل عندما يمد أحدنا يده ليقتل إنسانا آخر يسأل نفسه: أليس من الممكن أن يكون اسم القتيل محمدا؟ كيف إذن تجرأت يد الإرهاب الغاشم فاغتالت الآلاف رغم أنهم يحملون هذا الاسم الشريف؟ ولماذا لم تتل على مسامعنا- يا شيخ المسجد- حديث النبى الكريم: (إذا اقتتل المسلمان بسيفيهما.. فالقاتل والمقتول فى النار؟).. ولماذا لم نسمع منك ذلك الحديث الفذ الذى رواه أبو هريرة:( كل المسلم على المسلم حرام؛ عرضه، وماله، ودمه؟)
.. وكنت أود لو أننى أستطيع تنبيه خطيب الجمعة هامسا له: يا شيخنا.. حدثنا عن سلوك محمد فى بيته، مع أزواجه، وأصحابه، وعموم المسلمين. كنت أرغب فى تذكيره بحديث المصطفى للتاجر الغشاش: (يا هذا.. من غشنا ليس منا).. فهل هؤلاء الذين يغشوننا كل لحظة فيتفننون فى الغش، هم منا ونحن منهم؟ غير أننى لم أفعل حفاظا على هيبة الجمعة؟
.. كنت أتمنى لو أسأله: يا عم الشيخ.. لماذا لا تذكر لنا حديث الهادى البشير: (تبسمك فى وجه أخيك صدقة؟).. مع أننا تكاد تصرعنا الكآبة، بسبب الغل والغيظ اللذين نتبادلهما مع كل نظرة؟ نحن يا شيخنا لم نعد نبتسم إلا على التافه من الأمر، والبذىء من القول، والسخيف من الكلام.. فأين تلك «البسمة الصدقة» يا سيدى الخطيب؟
كيف فات عليك يا شيخنا أن تقول لنا الحديث الشريف: ( خيركم.. خيركم لأهله.. وأنا خيركم لأهلى).. وأنت ترى الأسر تنهار من حولنا بسبب إساءة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها.. فتكون النتيجة أطفالا جائعين ضائعين، يفتك البرد بهم فى الإشارات، وتحت الكبارى، وفى أطلال المبانى الخربة؟ كيف لم تقل يا شيخ، الحديث الشريف : (ما آمن بى.. من بات شبعان.. وجاره جائع إلى جنبه.. وهو يعلم؟)
لمثل هذا وغيره نحن نحب رسول الله.