المساء
محمد جبريل
ع البحري الشباب ليس جائزة !
أحياناً أتأمل ما حدث. أهمس بالسؤال الذي ربما ألقاه كل إنسان. في لحظة ماء علي نفسه: ماذا لو؟
ماذا لو أن الزمان عاد إلي حيث البداية؟ إلي حيث الطفولة والصبا والنشأة والسنين التالية؟ هل كنت أتصرف علي النحو الذي تصرفت به؟
أتبين أن الله قد يسر لي ما كنت قد خلقت له. وأني لا أستطيع أن أتصور طريقا مغايرة لتلك التي اخترت السير فيها. مع ذلك. فلو أن الزمن عاد إلي الوراء. فسأحرص علي أن أجيد لغات كثيرة. وأزور مالم أشاهده من مدن العالم. وأقرأ أضعاف ما قرأته في مختلف الانسانيات. وأتعلم الموسيقي علي أصولها. وأدرس تشريح الجسد البشري. وأتعلم السباحة وركوب الدراجة.
الحكمة الهندية تقول: العمر لا يقاس بعدد السنين. ولكن بما تحفل به هذه السنين من عطاء يثريها ويضيف اليها. لكنني ـ أعترف ـ كنت أعطي انتباها جيدا لكلمات الآخرين التي توحي بها مراقبتهم. وقد أسرفت في ذلك إلي حد أني أصبحت أعبر عن المشاعر التي تصلني من الخارج. وليست تلك التي تنبع من داخلي. ثم تبينت ـ باعمال الفكر ـ ان تلك الطريق التي اختارها لي الآخرون. قد تكون طريق السلامة. ايثار السلامة. تحاشي النظرات والمراقبات والملاحظات.. لكن النهاية قد تكون مأساة كاملة. قد يصل إلي تلك النهاية شخص آخر غيري. أفسد الآخرون حياته. دمروا أعماقه. وشوهوا رؤيته للأشياء. ودفعوا به إلي حجرات لا تنتهي. كتلك التي تبدل ملامح الانسان في مدينة الملاهي. فيخاف ـ أحياناً ـ من صورته!
أنا لم أشعر بمرحلة من مراحل عمري إلا في نظرات الآخرين وكلماتهم. لم تشغلني تلك المسألة ـ يوماً ـ ولا وضعت لها اعتبارا من أي نوع. ما دمت صحيحا واستطيع الحركة فأنا أعمل وأعمل وأعمل. حتي نبهني من قال لي: ما كنت تفعله من عشر سنوات يصعب أن تفعله الآن. وتأملت الكلمات. وتأملت داخلي. وتأملت تصرفاتي. وأحوالي الصحية. وحاولت أن أهمل النصيحة. لكنها كانت كالوشم الذي يستحيل أن أزيله من جسمي!.. أذكر قول برناردشو: الناس هم الذين جعلوني أشعر بأني كبرت. إنهم كلما رأوني أكتب قالوا: ولكنك كبرت يا مستر شو.. فإذا مت فليس لأني عجزت عن الفكر والإبداع. وإنما لأن الناس أرادوا موتي!
نحن ندعو لأحبائنا بطول العمر. فإذا طال عمرهم - ربما استجابة لدعواتنا - تبدلت نظرتنا إليهم: تفكيرهم قاصر. أفكارهم غير مقبولة. ومشوشة. الدخول معهم في مناقشات عبث لا طائل من ورائه!
يغيظني من يحرص - أو تحرص - علي حذف سنوات من عمره. يغيظني - في المقابل - من يجد سني عمره الأقل. أمراً يدعو للتباهي. وأن سنوات "الآخر" أمر يدعو للشماتة أو الإشفاق!
ثمة مقولة في الغرب: "إن عمرك هو ما تشعر به في داخلك". ألف "كانت" في الرابعة والسبعين ثلاثة من أهم مؤلفاته. فيما وراء الطبيعة والأخلاق وعلم الأجناس. وفي الثانية والسبعين كتب سرفانتس أهم الروايات الأسبانية دون كيخوتة. وفي الثمانين أنهي جوتة رائعته المهمة فاوست. وفي الرابعة والسبعين ألف فردي أوبرا عطيل.
السؤال هو: ماذا كانت تخسر الإنسانية لو أن هؤلاء الشيوخ ماتوا في سن باكرة. فلم يضيفوا إلي رصيدها ما أبدعوه في سن متقدمة؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف