مؤمن الهباء
شهادة التأمين الصحي.. مشروع قومي
مفاجأة سارة أعلنها المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء للمصريين جميعاً عندما كشف النقاب عن مشروع قانون التأمين الصحي الشامل الجديد.. وهو قانون طموح جداً.. ولو تم تطبيقه علي الوجه الصحيح فسوف يمثل نقلة حضارية هائلة لمصر والمصريين.. ويشكل مشروعاً قومياً إنسانياً يسجل في قائمة الإنجازات الوطنية الكبري ويفتح الأبواب أمام التطبيق العملي لمفهوم حقوق الإنسان ومفهوم العدالة الاجتماعية.
المشروع حتي الآن عبارة عن دراسة أعدتها مجموعة عمل وزارية.. ومن المقرر أن يعرض هذا المشروع في صيغته النهائية علي مجلس الوزراء لمراجعته ومناقشته بصورة تفصيلية قبل عرضه علي مجلس النواب لإقراره.. والقدر المتاح من المعلومات عن المشروع طبقاً للتصريحات المنشورة لرئيس الوزراء تؤكد أنه يحقق مفهوم التغطية الصحية الشاملة ويلبي حق المواطن في الحصول علي الرعاية الصحية المتكاملة.. وتحسين مستوي الأوضاع الصحية لجميع الفئات.. خاصة الفقيرة والمهمشة وذوي الاحتياجات الخاصة.. وضمان تحقيق حياة آمنة بيئياً وصحياً لكافة المواطنين.
ومن حقنا أن نتفاءل بهذا التقديم الطموح للمشروع الذي سيتم تطبيقه تدريجياً علي كافة المحافظات علي مستوي الجمهورية بنهاية عام ..2019 لأن الأوضاع الصحية في بلادنا الآن غير آدمية.. وتفرض علي المريض أن يموت من الإهمال أو يموت كمداً لعدم قدرته علي توفير نفقات العلاج الباهظة.. والتي يمكن أن تدفعه إلي بيع كل ما يملك دون أن يغطي تكلفة المستشفيات والأدوية وأجور الأطباء.. أضف إلي ذلك أن العلاج علي نفقة الدولة لا يكون جاداً وفعالاً إلا للمحظوظين فقط.. أما عامة الشعب فليس أمامهم إلا التأمين الصحي الذي يعاني عجزاً شديداً.
أحد زملائنا الصحفيين عندما مرض وهو علي المعاش لم يجد مستشفي يقبله للعلاج.. نظراً للمبالغ الطائلة التي تطلبها المستشفيات والتي لا يقدر عليها الشرفاء الذين لم يتربحوا ولم يعملوا بالسمسرة وأخلصوا جهدهم للمهنة فقط لا غير.. ولم ينقذ هذا الزميل من جشع المستشفيات إلا ملك الموت.. وهناك زميل آخر صدر له قرار بالعلاج علي نفقة الدولة بالخارج منذ أكثر من عام.. ومازالت الحكومة تماطل في الإجراءات التنفيذية وكأنها تقتله ببطء شديد.
لذلك.. فإن الحل العملي والإنساني يكمن في قانون التأمين الصحي الشامل الجديد الذي يحفظ للمواطنين كرامتهم وإنسانيتهم.. لكن المشكلة أن هذا التأمين يحتاج إلي تمويل كافي ومستمر.. والحكومة أعلنت أنها ستتحمل أعباء الاشتراك عن غير القادرين.. وهذه نقطة محل شك كبير.. لأن ميزانية الحكومة أساساً تعاني من عجز خطير.. وقد أعلنت من قبل أنها ستتحمل قيمة اشتراك التأمين الصحي عن الفلاحين غير القادرين ولم تنفذ وعدها حتي الآن.. ناهيك عن العجز الهائل في موارد التأمين الصحي الحالي.. والأوضاع المتدهورة لمستشفيات التأمين الصحي.. والحكومة لم تقدم أي دعم لتطوير التأمين الصحي ومستشفياته وأطبائه الذين يعانون أشد المعاناة مع الأعداد الهائلة للمرضي في ظل إمكانيات ضعيفة جداً.
الواقع الحالي يؤكد أن لدينا تغطية تأمين صحي اسمية فقط لما يقرب من 57% من عدد السكان.. وحوالي 61% من حجم الإنفاق علي الصحة يأتي من الأموال الخاصة للمواطنين.. وهناك 10% فقط من المدرجين بسجلات التأمين الصحي الحالي هم الذين يتعاملون فعلياً مع المنظومة القائمة.. ولذلك فإن قانون التأمين الجديد سوف يعتبر طفرة حقيقية إذا أحسن تطبيقه ووصل إلي المواطنين في المناطق النائية وفي القري والنجوع.. وأشعرهم بأنهم أصحاب حق.. وأن القانون يحميهم في مرضهم مثل أي مواطنين في دولة محترمة.
سوف يكون التحدي الأكبر أمام المنظومة التأمينية الجديدة توفير الموارد التمويلية.. وهذه مشكلة يسهل حلها إذا اعتبرت الدولة أن التأمين الصحي هو مشروعها القومي الحقيقي للاستثمار في البشر.. وتحسين أوضاعهم الصحية.. حتي يتمكنوا من القيام بدورهم في تحمل مسئولية التنمية.. ودائماً الإنسان أولاً.
أعرف أن الدكتور علي حجازي رئيس هيئة التأمين الصحي والفريق الذي يعاونه قادرون علي تحمل المسئولية بشجاعة وكفاءة ووطنية.. بشرط أن تتوافر لهم الإمكانات والكوادر البشرية القادرة والمدربة.. حتي تأتي النتائج علي قدر الطموح الذي أعلنه رئيس الوزراء.