مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، أحد أهم المبادئ التى يقوم عليها النظام الجمهورى، فالسلطة التشريعية مستقلة تماماً عن السلطة التنفيذية، وهى تراقبها وتسائلها، وتفصل السلطة القضائية فى أى نزاع ينشأ بينهم، وهو يحمى السلطتين القضائية والتشريعية من تدخل السلطة التنفيذية، وبالأحرى من تغوّل السلطة التنفيذية على السلطتين، وذلك بما تملك من قوة قهر وسلطة القوة الجبرية. ونرى هذا فى أوضح مثال فى النظام السياسى الأمريكى، وهو على خلاف النظام الملكى، الذى يقوم على مبدأ دمج السلطات حيث تشكل الحكومة من الحزب، صاحب الأغلبية البرلمانية الذى يملك أيضاً سلطة تعيين القضاة فى المحاكم على اختلاف درجاتها ويمثله هنا المملكة المتحدة (بريطانيا).
فى مصر، أعلن النظام الجمهورى بعد ثورة يوليو 52، وترسخ هذا النظام فى الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية عام 71، ويقال إن النسخة الأصلية للدستور كانت تعطى صلاحيات للبرلمان متوازنة أكثر قبل عرضها على الرئيس السادات، الذى تدخل بالتعديل على بعض النصوص وزاد من صلاحيات الرئيس على حساب السلطة التشريعية، والعهدة هنا على ما قاله الدكتور إبراهيم درويش فى أحد مؤتمرات المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وفى الحقيقة ظل الفصل بين السلطات حبراً على ورق، ولم تشهد مصر فصلاً حقيقياً للسلطات حيث كانت دائماً السلطة التنفيذية تهيمن وتسيطر على السلطة التشريعية، بل حدث صدام بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية عام 1968، ما عرف بمذبحة القضاء، حيث حاولت السلطة التنفيذية تجنيد قضاة للتنظيم الطليعى، الذى تم تأسيسه من السلطة بشكل سرى، ولكن رفض القضاة، فتم فصل القضاة الذين أعلنوا رفضهم وفضحوا هذه الممارسات، ومنهم بالطبع كان القاضى الشهير ممتاز نصار، والمستشار الجليل يحيى الرفاعى، الذى عاد لمنصة القضاة بحكم قضائى، ثم تولى بعد ذلك رئاسة نادى القضاة.
وظلت الدولة المصرية فى عهد مبارك كل البرلمانات فيها تقريباً صناعة جهاز مباحث أمن الدولة، وفى 1984، كانت مثالاً صارخاً لهذا، لما كان النظام الانتخابى بالقائمة، ففاز حزب «الوفد» بعدد كبير من المقاعد، فتم استبعاد أكثر من 70 مرشحاً فيما عرف بكمبيوتر الداخلية لما استخدم جهاز الكمبيوتر للمرة الأولى فى عمليات توزيع الأصوات على المقاعد فى القوائم، وبالطبع كل المستبعدين من أحزاب المعارضة، وفى ظل غياب البرلمان عن القيام بدوره تحولت الدولة إلى حكم الفرد المطلق، وساءت سمعة البرلمان وأعضائه، إما أنهم نواب الكيف، أو نواب سميحة، أو نواب القروض وهى تسميات أطلقها الناس استخفافاً بهذا البرلمان. لذلك لم أكن مندهشاً عندما صرح أحد النواب بأنه تلقى تعليمات من الأمن الوطنى للانضمام إلى تحالف دعم الدولة المصرية، فهى سُنة وعادة متبعة، وتقليد من تقاليد الأمن فى مصر، فهل يمكن لهذا التقليد أن يستمر؟ لا أعتقد أنه من الصواب أن يستمر تدخل جهاز الأمن الوطنى فى العمل السياسى، بل يجب أن نعطى للحياة الحزبية الحرية للعمل، حتى يترسخ العمل الحزبى وتنمو الأحزاب فى جو من الحرية، وإلا سيبقى الإخوان هم التنظيم المنظم والجاهز فى أى وقت للعودة وبقوة لملء الفراغ السياسى نتيجة موت الحياة الحزبية، فتدخل الأمن يعيق الأحزاب، ويقتل المنافسة السياسية، ويجب ألا ننسى أن برلمان 2010 كان المفجر لثورة المصريين عام 2011. فقد أكد الدستور المصرى الأخير مبدأ الفصل بين السلطات فى المادة الخامسة التى تنص على أن النظام السياسى يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمى للسلطة والفصل بين السلطات.. إلخ، هذا المبدأ مهم جداً، ويجب أن يراعى من قبل الأمن، وألا يتدخل فى عمل البرلمان أو الأحزاب.