الوطن
مكرم محمد احمد
الحلف الإسلامى.. أسئلة تبحث عن إجابة؟
الأبقى من الحلف الإسلامى الجديد الذى أعلنت عنه السعودية الأسبوع الماضى ويضم 34 دولة بينها مصر، والأكثر أهمية وضرورة استراتيجية فى هذه المرحلة العصيبة من تاريخ الشرق الأوسط والأمة العربية، هو الحفاظ على زخم العلاقات المصرية السعودية، بما يغلق أبواب الريح التى يمكن أن تنفذ منها شياطين الفتنة، التى تستهدف زرع الخلاف بين القطبين، مصر والسعودية، اللذين يشكلان ضابط الإيقاع للعلاقات العربية-العربية، والسند الأساسى لكل عمل عربى مشترك، وعمود الخيمة التى يستظل بها التضامن العربى.. فى وفاقهما يتعزز أمن الشرق الأوسط والخليج، ويترسخ الاستقرار والأمن العربى، ويصبح للقوة العربية مردود حقيقى، أما خلافهما، لا قدر الله، فهو الشر المستطير الذى يعصف بأمن العرب ويبدد وحدتهم!.. وعلى من يرفض تصديق هذه الحقائق أن يتأمل قليلاً الفارق بين ظروف نكسة 67 التى سبقها استقطاب حاد قسّم العالم العربى إلى العمق، وانتصار 73 الذى أسهم فى صنعه فوق شجاعة الرجال وحسن تخطيط المعركة وعظمة روح الفداء، عاملان أساسيان هما دخول البترول العربى سلاحاً فى المعركة لأول مرة، ونجاح البحرية المصرية فى غلق باب المندب، وقد تحقق كلاهما لأن إرادة الرئيس السادات والملك فيصل يرحمهما الله توحدت فى قبضة واحدة قوية، لمّت شمل العرب وحققت التضامن العربى فى أروع صوره.

تلك مقدمة ضرورية لمن يتساءلون فى دهشة عن أسباب دخول مصر عضواً فى هذا التحالف ضمن 34 دولة إسلامية، يصعب بالفعل أن نجد بينها رابطاً حقيقياً من روابط المصلحة والتاريخ المشترك والمصير الواحد، سوى مسئولية هذه الدول وواجبها فى الدفاع عن صورة الإسلام التى قبّحتها جرائم داعش وغيره من تنظيمات الإرهاب التى جاوز عددها 160 منظمة طبقاً لتقديرات حكومة الأردن!، ضربت معظم البلدان العربية كما ضربت عدداً من الدول الأفريقية، وأصبحت خطراً يهدد الأمن والسلم الدوليين بجرائمها المتكررة التى استهدفت دول الغرب، تحت ذريعة الجهاد ضد التحالف الصهيونى المسيحى وكافة الأديان والحضارات الإنسانية!.

وضعت جرائم داعش الفظة الجاليات المسلمة فى أمريكا وأوروبا فى مأزق بالغ الصعوبة، يتعرضون جميعاً لصور عديدة من الكراهية والعدوان والتمييز السلبى تحاصرهم الشكوك والريبة، ويواجهون حملات ضارية من قوى اليمين الأوروبى، وأحزابه تدعو إلى تهجيرهم قسراً وإعادتهم إلى بلادهم الأصلية!، رغم أن أغلبيتهم مواطنون صالحون ينتمون إلى الجيل الثالث من آبائهم من المهاجرين الأول، وُلدوا فى هذه الدول وتعلموا فى مدارسها وانقطعت صلاتهم بأوطانهم الأصلية، وكل جريرتهم اليوم أنهم مسلمون!، لأن جرائم داعش وسلوكها البربرى جعل من الإسلام العدو الأول لحضارة الغرب، وأدخل فى روع الكثير من الأوروبيين أن البنية الفكرية للدين الإسلامى تحض على العنف وتكره الآخر وترفض التعايش مع غيره من الحضارات والأديان!، وأن المشكلة فى جوهرها هى الدين الإسلامى نفسه!.

نعم.. دخلت مصر التحالف الإسلامى بعد مشاورات مع الرياض لأنها ترى أن من واجبها أن تقف إلى جوار السعودية كما وقفت السعودية إلى جوارها، ولأن مصر التى حاربت الإرهاب على امتداد 18 عاماً تحت حكم مبارك، وتحاربه الآن بضراوة شديدة على جبهتين أساسيتين، الجبهة الشرقية فى سيناء والجبهة الغربية عند حدود ليبيا؛ دفاعاً عن أمنها وهويها الوطنية، ترى واجبها فى مساندة كل جهد دولى مخلص يستهدف هزيمة جماعات الإرهاب، لا تفرق بين «داعش والقاعدة والنصرة وبوكوحرام وجيش الفتح وأنصار بيت المقدس» وغيرها من المسميات المختلفة لجماعات تكفيرية تعيث فساداً فى الأرض، يتحتم على المجتمع الدولى أن يكتل جهوده من أجل قطع دابرها واجتثاث جذورها.

ولكى تكون رسالة التحالف الجديد نقية واضحة لا يداخلها أو تلتبس بها أية أهداف سياسية قصيرة النظر، يصبح ضرورياً أن يتسع هذا التحالف لكل جهد مسلم سنياً كان أو شيعياً، ويترفع عن أية محاولات استقطاب تزيد المسافات بعداً بين السُنة والشيعة وتحيل أزمة الثقة الراهنة إلى فتنة كبرى!، لأن الهدف الأصلى والوحيد لهذا التحالف هو الحرب على الإرهاب وليس إيران أو الشيعة مهما يكن حجم الخلافات مع طهران، وربما يكون من الطبيعى أن نسأل القائمين على أمر التحالف الجديد: لماذا لم توجه الدعوة إلى العراق وهو دولة عربية مسلمة!.

وأظن أنه من الضرورى أيضاً أن يكون لهذا التحالف مدونة سلوك صارمة، تلزم التحالف بعدم التدخل فى الشأن الداخلى لأى من الدول التى تطلب مساندته، والامتناع عن أن يكون طرفاً فى لعبة الداخل، فقط يقدم المشورة والنصيحة والعون، ولا يعطى نفسه حق الإملاء أو التغيير أو فرض قناعاته بقوة التدخل، وفى جميع الأحوال يتحتم أن يلتزم التحالف الإسلامى الجديد بأحكام القانون الدولى ومواثيق الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإسلامية والجامعة العربية، ويتجنب تماماً أن يكون قوة تدمير لأى مجتمع مدنى، يستخدم سلاحه فقط ضد جماعات الإرهاب عند الضرورة القصوى، شريطة أن يحظى بموافقة الأغلبية والحكم.. ولأن دول التحالف الإسلامى قد لا تتفق على مفهوم واحد للإرهاب ولا تتوافق على قائمة محددة لجماعاته، فربما يكون الحل الأفضل هو دراسة كل حالة على حدة دون تعميم مخلّ يفسد النيات والأفعال. وحسناً أن التحالف الإسلامى يضم عدداً من الدول الأفريقية جنوب الصحراء، النيجر ونيجيريا والسنغال ومالى وسيراليون وبنين التى كان يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون وأصحاب الديانات الوثنية فى أمن وسلام، قبل أن تنشط الجماعات المتطرفة مثل بوكوحرام فى تخريب العلاقات بين طوائف المجتمع الواحد، وتشعل نار الفتنة الدينية لتهدد الوحدة الوطنية لهذه الدول!.. الأمر الذى يلزم دول التحالف الإسلامى أن تنحاز أولاً وأخيراً إلى وحدة هذه الدول وتماسكها بما يحفظ نسيجها الوطنى الواحد، وأن تركز فى رسالتها على المصالحة الوطنية دون انحياز دينى أو طائفى، وتكون على وعى كامل بطبيعة التداخل بين القبلية والطائفية وصراعات السلطة وتناقض المصالح بين الرعاة والمزارعين فى هذه المجتمعات ومعظمها مشاكل حياتية سببها الفقر، يكمن حلها الصحيح فى تشجيع مشروعات التنمية وتعزيز المصالح المشتركة لهذه الطوائف وليس فى الحرب أو استخدام القوة، لأن رسالة التحالف الإسلامى ومغزاه هى إظهار الوجه الصحيح للإسلام، وفضح زيف هذه الجماعات التى تستخدم الدين مطية للسيطرة على هذه المجتمعات، خاصة أن هناك قوة أفريقية تعمل تحت مظلة الاتحاد الأفريقى تساعد الدول الأفريقية فى حربها على الإرهاب، كما سوف تكون هناك خلال فترة قريبة مقبلة قوة عربية مسلحة مشتركة، تعمل تحت مظلة الجامعة العربية، تساعد الدول العربية على مواجهة الإرهاب، بحيث تصبح مهمة التحالف الإسلامى مهمة سياسية قبل أن تكون مهمة عسكرية، تُعنَى بتجفيف المنابع المالية لهذه الجماعات، وتضع ضمن أولوياتها فضح الفكر التكفيرى لها وكشف زيفه وخطورته وإبراز صورة الإسلام الصحيح.. وأظن أن أول شروط الانضمام لهذا التحالف هو نبذ الإرهاب ورفض التعاون مع هذه الجماعات، وعدم تقديم أى عون لها، يتمثل فى دعم مالى أو إعلامى أو تدبير ملاذ آمن لهذه الجماعات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف