عباس الطرابيلى
هموم مصرية فاقد الحاصلات الزراعية.. كارثة!
نتحدث كثيراً عن فاقد الحاصلات الزراعية.. أن نأخذ إجراءا حاسماً لتقليل ذلك، أو القضاء عليه.. وهل هي ضحكة أن نستمر في نقل هذه الحاصلات بالأقفاص.. أم نتركها لتأكلها الطيور وتدمرها سلوكياتنا..
نقول ذلك لأننا نفقد الكثير خلال عمليات جمع المحاصيل من الحقول.. وخلال عمليات النقل من الحقول إلي أسواق الجملة.. وإلي أن تصل إلي الزبون ونكاد نفقد ربع كل محصول علي الأقل.. وتزداد نسبة الفاقد في الحاصلات الدقيقة، مثل الطماطم والفراولة.. أما الباقي فتأكله الطيور!!
<< مثلاً نفقد حوالي 20٪ من محصول القمح سواء بتركه في الحقول حتي يتم نضجه، دون حماية.. أو خلال الحصاد والنقل البري والنهري سواء بالسيارات، أو القطارات، أو بالمراكب. ولكن نسبة أكبر من هذا الفاقد تضيع خلال تخزينه في شون البنوك لحين تسليمه لوزارة التموين أو تجار الجملة.. وهنا يصبح هذا المحصول غنيمة رائعة للطيور والفئران. ونفس الكلام ينطبق علي محصول الذرةـ بكل أنواعها ـ وغيرها من الحبوب مثل السمسم والعدس والفول السوداني.. وحتي لب التسالي وتصل نسبة الفاقد في هذه الحبوب إلي الربع.. تخيلوا؟!
<< أما الفاقد في الطماطم فهو الأكبر إذ تصل نسبته إلي النصف تقريباً.. نقول ذلك لأن مصر هي خامس منتج للطماطم علي مستوي العالم بعد الصين والولايات المتحدة وتركيا وإيطاليا حسب احصاءات منظمة الفاو العالمية وتخيلوا كم نكسب إذا حفظنا نصف هذا الانتاج الذي نفقده كل عام..
ونفس الشيء نفقده في الخضر والفواكه.. ففي الأولي نفقد 40٪ من الخضر و35٪ من الفواكه.. وتخيلوا أن ما يتم تصنيعه من الطماطم لا يصل إلي 1٪ من إجمالي الانتاج.. وأن مصر رغم أن انتاجها من الألبان يصل إلي 5 ملايين طن، ولكننا لا نصنع منها إلا الربع تقريباً ونستورد منتجات ألبان وزبداً وسمناً وأجباناً بمئات الملايين.. وان مصر، وهي في مقدمة الدول المنتجة للبطاطس في العالم إلا أننا لا نصنع منها إلا أقل من 8٪.
<< وبسبب ارتفاع معدل الفاقد ـ من هذه المنتجات ـ فان أسعارها ترتفع، لأن البائع في النهاية لن يخسر.. بل يدفعه المستهلك، حتي ولو كان مجرد كيلو طماطم. وهنا نسأل: لماذا يظل «قفص الجريد» هو وسيلة نقل الطماطم الأساسية من الحقول إلي يد المستهلكين.. وكله علي كله ولماذا لا نلجأ إلي ما يستخدمه غيرنا من وسائل تعبئة ونقل من الحقول بل ان بعض المنتجين يتعمدون ترك محصول الطماطم في الأرض حتي لا يتحملوا تكاليف حصاده وأعباء نقله.. ورخص أسعاره!! وهنا نتذكر أن الفلاح المصري ـ وبالذات ابن منطقة الاسماعيلية اخترع نوعاً من الأقفاص «أو الاسبتة» لنقل محصول الفراولة إلي الأسواق فلماذا لا نبحث عن وسيلة أخري.. أقول ذلك وقد اشتريت مرة «كارتونة» فراولة اشتريتها من أمستردام في هولندا وحملتها معي إلي أبو ظبي.. ووصلت معي سليمة.. تماما كما يتم تصدير عنب شيلي ـ في أمريكا الجنوبية ـ إلي أبو ظبي، ويصل سليماً إلي المستهلكين.
<< هذه شعوب تتفنن في حماية محاصيلها وفي نقلها إلي الأسواق.. وفي المنطقة نجد ـ وكنا نعمل ونعيش في الإمارات ـ فواكه اليونان من عنب وخوخ وبرقوق ومشمش.. بل وخضراوات تصدرها اليونان وقبرص ولبنان إلي دول الخليج.. وتصل سليمة هي والطماطم والخيار وحتي الكرنب والقرنبيط..كل ذلك يؤكد أن هذه المنتجات تدر ذهبا علي من يزرعها.. ويعرف كيف ينقلها ويصدرها إلي أسواق المستهلكين.. إلا نحن؟! أليست هذه قضية حيوية تحتاج إلي علاج..
وإن لم يكن هدفها تصدير الفائض.. فلا أقل من تصنيعه.. وخفض أسعاره لتصل إلي الناس بالسعر المعقول. انني أري أن قضية فاقد هذه الحاصلات قضية أمن قومي من المقام الأول.وتخيلوا زيادة عائداتنا منها، لو نجحنا في تقليل الفاقد منها.. وهل نحتاج إلي دراسة تجارب غيرنا مثل دول الموز في أمريكا الوسطي التي تسيطر علي تجارة الموز عالمياً بحسن زراعته ثم جمعه وتغليفه وتجهيزه.. ثم تصديره من أقصي دول تقع في أمريكا الوسطي إلي أن تصل إلي أسواق الشرق الأوسط وما يتبقي منه هناك يتم تجفيفه وطحنه وتحويله إلي دقيق لصنع الخبز.. أليس هذا إبداعاً؟
<< نقول ذلك ونحن نفتقد الآن الموز الصومالي الذي كان يغزو أسواق الخليج بحراً.. ثم قتلوه بالنزاعات والحروب الأهلية التي دمرت كل شيء في الصومال..
ويا أيها المصريون يمكننا أن نكسب بين 25٪ و50٪ لو نجحنا في تحسين طرق حصاد محاصيلنا وفي نقلها..
<< أليست هذه معركة واجبة يا حكومة جمهورية مصر العربية؟!