وحيد عبد المجيد
اجتهادات - الإرهاب .. والإعـلام
يعتقد البعض أن أعمال العنف والإرهاب تحقق أهم آثارها من خلال تغطية الإعلام لها. ويتطرف بعض من يرون ذلك إلى حد اتهام الإعلام بأنه يقدم دعاية مجانية للإرهاب، لأن تغطية عملياته تحقق للقائمين عليه مكاسب تفوق ما يترتب عليها فعلياً.
غير أن هؤلاء الذين يتخيلون إمكان تجاهل الإعلام عملا إرهابيا، أو حتى وضعه فى مرتبة متأخرة فى أوليات التغطية، يعيشون فى عصر مضى ولم يعد ممكناً إعادته.
فالعمل الإرهابى بالنسبة إلى الرأى العام هو خبر من الدرجة الأولى، وقصة تحتاج إلى استقصاء خلفياتها وإماطة اللثام عن مكامن الغموض فيها، وغير ذلك مما يدخل فى نطاق واجبات الإعلام.
وعندما يتعلق الأمر بالبحث عن المعلومات، لا يكون هناك فرق بين معلومات جيدة أو طيبة وأخرى سيئة أو شريرة. فالمعلومات هى السبيل لأن يعرف الناس حقيقة ما حدث. ولكى يعرفوا، لابد أن يقوم الإعلام بواجبه المهنى فى الحصول على هذه المعرفة لكى ينقلها إليهم كما هى دون تلوين.
وهذا هو ما يُعرف بحق الجمهور فى المعرفة، وواجب الإعلام فى إخباره بها بغض النظر عن طابعها أو نوعها وفق القواعد المهنية المعتبرة، التى لا تجيز تسييس التغطية الخبرية، أو وضعها فى سياق يستهدف الإثارة إما لجلب مزيد من الإعلانات ومن ثم تحقيق مصالح خاصة على حساب المصلحة العامة، أو التحريض على العنف، أو تحبيذه بأى شكل وفى أى سياق. وإذا أردنا تحديد المشكلة التى تدفع البعض إلى التطرف فى مهاجمة تغطية الإعلام للإرهاب فقد نجدها فى افتقاد القواعد التى تمثل الأساس الأخلافى للمهنة.فاحترام هذه القواعد يحرم من لايدركون أهمية حرية الاعلام, ويريدون تقييده, من ذريعة يلجأون اليها حين يتصاعد الإرهاب0
وحتى إذا أطلقنا العنان لخيالنا، وافترضنا إمكان أن تمتنع وسائل الإعلام عن تغطية عمل إرهابى، فلن يتكرر ذلك، بل قد لا يستمر لأكثر من دقائق لأن مواقع التواصل الاجتماعى ستمتلئ بأخبار هذا العمل وصوره.
ولذلك فالمهم هنا هو الالتزام بالقواعد المهنية، والسعى إلى معالجة موضوعية جادة وعميقة، ووضع حد للسطحية التى تسود الإعلام العربى بسبب قلة من يمتلكون فيه المعرفة الكافية لمعالجة ظاهرة معقدة مثل الإرهاب، أو حتى فهم المصطلحات المتداولة فى خطاباته المختلفة.