البديل
جمال الجمل
مواعظ مولانا الديكتاتور المنتخب
(1)
“أقسم بالله، أنا مستعد فى أى لحظة أن أترك الحكم، وأقول شكرًا وسلام عليكم، لكن لو سقطت مصر ستدخل المنطقة فى حروب لمدة 50 عامًا”

(2)
هذه العبارة التي يحلو للرئيس السيسي أن يكررها بشكل ملفت، عبارة مثالية لقراءة دماغ السلطة: دين وأخلاق، سياسة وسلوك “فوق ديموقراطي”، تَنَسّك وتَرَفّع، تهديد وتخويف… بس كله بالأدب!

(3)
المشكلة لم تعد إذن تدور حول ثنائية “الدين والسياسة” بشكلها التقليدي العتيق، الذي يركز على لعبة “تسييس الدين”، ولا تتوقف حتى عند “الفيرجن” الأحدث (تديين السياسة)، لكن استخدام الدين في الخطاب الرئاسي لجمهورية “نور عينينا”، تطور إلى طريقة “الكومبو” العصرية جدا، لذلك تجد في العبارة البسيطة كل المشهيات التي تغري الفأر بالتهام “جبنة السلطة”، خاصة وأن الفأر (كالعادة) لايفكر بالعقل ولا ينشغل بالتاريخ، تكفيه الغريزة ودوافع الجوع، لذلك يكرر خطيئة أسلافه من دون أن يفهم حقيقة المصيدة، أو يكترث لتطور أشكالها وأساليبها.

(3)
يعترف الرئيس القادم من مؤسسات الحماية، أن “الدولة المصرية تم اختراقها ثقافيًا وأمنيا..! ثم يضيف: قد يكون البعض لديهم نوايا طيبة لكن نواياهم هذه تهدم البلد!

(4)
أعترف للرئيس أنني واحد من هؤلاء السذج الحالمين، أصحاب النوايا الطيبة التي تهدم البلد، لكنني لا أخشى كثيرا من فكرة “الهدم”، بل أطالب بها، فالهدم يا سيدي الرئيس نصف الثورة، نصف عملية النمو الإنساني، والضرورة الأولى قبل أي بناء، فإذا كنت تفكر في بناء بلد جديد “أد الدنيا”، فلماذا تحافظ على أنقاض القديم؟، لماذا تحافظ على ثعابين الخرابة، و”وكر العصابة”؟
الثورة يا سيدي عملية هدم وإحلال متزامنة، لكنك تخشى (باعترافك) من تصفية “الأعمدة الفاسدة”، وتقول في “زلة لسان” أو من “قناعة راسخة” ما فهمت منه أنك تتجنب هدم الفساد لأنه من أركان الدولة

(5)
هتقولولى: هنحاكمك وندخلك السجن؟… (وماله)
هتقولولى: هنعدمك.. (مايجراش حاجة)
لأننى فى النهاية حاولت أن أخدم بلدى
أنا ماشى على الشوك، وماشي على الحبل، لأننى لا أقبل أن يظلم أحد فأنا مسئول عن 90 مليون مصرى

(6)
جدع ياريس.. جت في عيني بالظبط

(7)
حسنى مبارك منه لله، هو اللى خرب البلد، وكان لازم يمشى من 15 سنة، وكنت أتمنى أن يترك الحكم بدون ثورة (لأن الثورة هدم يعني، والرئيس ضد الهدم)، لأن الثورة للأسف (والكلام لفخامته) أكملت على البقية الباقية من مصر، فطبيعة الثورات أنها تفكك البلاد!

(8)
ياريس عادي، التليفزيون سعادتك أو الموبايل لو باظ، لازم نفكه عشان يتصلح، الفك والتركيب على نضافة مش عيب يعني!

(9)
أقسم بالله أننى كنت أساعد الإخوان بكل إخلاص وجهد أثناء حكمهم حتى لا تسقط مصر.

(10)
من غير حلفان، صادق ياريس، فقد ساعدتم مبارك قبل الإخوان وصبرتم عليه “15 سنة” ليكمل خراب البلد واختراقها ثقافيا وأمنيا، وبمناسبة “الحلفان” والتخويف من سقوط مصر، أتذكر الآن وصف عالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان للعبة المزدوجة التي يستخدم فيها الحاكم “الدين والسياسة”، كأداتين للسيطرة على المواطن مستغلا حالة الخوف والقلق من المستقبل، التي غرست داخل هذا الكائن الضعيف رغبة جائعة في الانجذاب نحو القوة (أي نوع من القوة)، ليحتمي فيها من الكوابيس التي يعيشها، ففي حالة نقص الاحتياجيات المعيشية يفكر الغلبان في الأثرياء ورجال الأعمال، وفي فترات العنف وتفشي الجرائم الاجتماعية يحتاج الناس لرجل الأمن، وعندما ينتشر الخوف في كل مجالات الحياة، ويصبح حالة وجودية ونفسية تبعث على القلق المستمر، يحتاج الناس إلى قوة كبرى، ويرتاحون أكثر لو كانت قوة “فوق بشرية”، ولأن مثل هذه القوى غير موجودة بشكل مادي في حياتهم اليومية، فإنهم يتواطؤن لخلق هذا النوع من القوة المحصنة ضد الضعف الإنساني، يخترعون “إلها حيا” يمشي على الأرض، أو حاكما عصريا تعلم ألا يدعي الإلوهية، يكفي “طبيب الفلاسفة” الذي يملك خطا هاتفيا مباشرا مع الله القدير، وأنه فوضه في المنام ليحكم ويرشد!، ولا يهم أن يكون التفويض قديما على غرار سلطة الكنيسة في العصور الوسطى، يمكن أن يأتي من سلطة مطلقة يمنحها له دستور، أو انتخاب شعبي، أو “تفويض” ستخدمه على بياض لإدارة وتوجيه حياة الحائرين الخائفين الذين سلموا أمرهم للمنقذ الخارق!

(11)

في نوبة اعتدال تاريخي يرفض باومان المغالاة التي يروج لها بعض المعارضين بأن الدولة “مصنع لإنتاج الخوف”، ويشهد أن الإنسان عرف الخوف قبل ظهور الدولة، وسيظل يعرفه حتى نهاية الحياة، لكنه يوضح أن الدولة تجتهد في تسويق هذا الخوف واستثماره، والاستفادة منه كعامل رئيسي في صناعة المؤسسات السياسية والاقتصادية، والدينية أيضا، لهذا يجب اختراع خطاب جديد يجمع بين الدين والسياسة بطريقة “الكومبو”، فلم يعد ملائما استخدام لغة القمع والتهديد والإخضاع الموروثة من عهود العبودية المباشرة، وصارت هناك حاجة لما يشبه رسائل الإعلانات: “نحن نأخذك إلى الجنة”، “انتو نور عينينا”، والمقصود من هذا الخطاب الاحتيالي هو تكريس حالة جديدة من العبودية أسماها لابواتييه في مقال شهير قبل 500 عام “العبودية بالتراضي”.. هدفها وجوهرها أن يتخلي معظم السكان طوعا عن كثير من حرياتهم وأحلامهم، ليس خوفا من عقوبة أو قهر، لكن كمقايضة مع الأمن، وثمن للاستقرار حتى لا تصبح بلدهم مثل سوريا وليبيا والعراق، فالمهم عند الحاكم الاحتيالي المعاصر ليس مظهر البطش، بل نتائجه، لذلك يدفع العبيد الجدد للقبول بفكرة تقديم الحرية كقربان لإرضاء البطل الحامي، حتى يتفرغ لمحاربة الشياطين، ويتمكن من إغلاق الباب أمام الاحتمالات السوداء التي غرسها بنفسه من قبل في نفوس الناس، ليسجدوا للديكتاتور المنتخب مهللين طائعين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف