المساء
نبيل فكرى
مساء الامل أوبرا.. كامل
أنا سعيد أن من بين أصدقائي في البحيرة الأديب والسياسي كامل رحومة.. تلميذ عبدالوهاب المسيري النجيب.. نحات في الأفكار.. الكلام معه وفي "كرمته" كما أسميها. متعة. والجلوس في حضرته له طقوس.. أهمها "الفوضي المنظمة".. تحدث فيما تريد.. ستجد لديه أبواباً في الكلام تروي عطشك.. ستخرج من عنده بوجبة دسمة وصحية.. وستري الشارع عكس ما رأيته وأنت ذاهب إليه.
وكامل رحومة لمن لا يعرفه هو كامل رحومة.. سَلّ عنه دمنهور كلها.. ستندهش إن وجدت أحداً لا يعرفه "علي الأقل من جيله" ومن المهتمين بأشياء غير "الفول والطعمية".. هو فنان شديد الشبه بالسكندري الرائع عبدالعليم القباني.. هو متخصص في "الستائر". لكن يبدو أن "شغل الستائر" علمه ما وراءها.. هو الصندوق الأسود للإخوان ـ علي الأقل في البحيرة ـ فقد كان معهم منذ عقود. قبل أن يعرف الطريق. منذ عقود أيضاً.. هو قضي سنوات يبحث عن عبدالوهاب المسيري. ويوم وصل إليه. اكتشف أن المسيري كان يبحث عنه أيضاً. ومنذ وفاة المسيري. حمل كامل رحومة علي عاتقه مهمة أن يظل المسيري حياً. وأن يظل لدمنهور عاشقها الكبير.
أما سر سعادتي بصحبة كامل رحومة. فلأنه يتحمل عني وعن كثيرين عبء الإبحار بنا فيما لا نعرفه. وكان آخر ما أهداني إياه. دعوات لحضور حفل "المولد والميلاد" بدار الأوبرا بدمنهور.. كان رجاء منه أن أذهب. واليوم هو رجاء مني أن أذهب كل يوم إن أمكن.
يا الله.. هذه الأوبرا في دمنهور.. تلك القطعة من روما ومن التاريخ تقبع وسط هذا الصخب وهذا الأرق. ووسط "طشات الزيت للفول والفلافل".. هذه الأوبرا التي افتتحها الملك فؤاد الأول لها هذا الجمهور. في دمنهور.. تلك الوجوه الصامدة في وجه كل إعصار.. المثابرة علي الرُقي وعلي الذوق. والعجيب أنها حالة خاصة وسط فناني ومطربي وعازفي الأوبرا المصرية.. كلهم أكدوا ذلك في الحفل الرائع الذي أسعد كلما تذكرت أنني كنت بين حضوره.
"المولد والميلاد" كانت ليلة مصرية.. اختلطت فيها الترانيم بالأناشيد الصوفية.. غني علي الهلباوي ومروة ناجي. وأبدع العازفون من مصر ومن ألمانيا. وفيما كان مقرراً أن تكون مدة الحفل مائة دقيقة. اقترب من ثلاث ساعات. حلقنا فيها فوق السحاب وفوق دمنهور. وفوق كل من عرف أن في دمنهور أوبرا ولم يذهب إليها.
لست في حالة تستدعي المجاملة. ولا شكر محمد ظريف مدير أوبرا دمنهور. أو محمد الكراي مدير التسويق بها أو كل من يعمل فيها. لكنني أسجل فخري وامتناني أن في دمنهور قلعة للفن والذوق مثل هذه الأوبرا. وممتن جداً للصديق كامل رحومة الذي استدرجني ببراعة إلي هذه الواحة. ومنحني سبباً للسعادة يسكن بجواري في دمنهور.
في الأوبرا.. كل شيء كان كما تتمني.. المدخل.. الشجر الذي يشاركك البهجة.. الناس المختلفون شكلاً وموضوعاً ومضموناً.. والشلال الذي ينتظرك علي المسرح فيقفز بك خارج المكان والزمان.. بعدها صدقني.. ستخرج إلي دمنهور مختلفة.. ستسمع "رزع السمكري" وكأنه عزف أوبرالي حاد.. ستكتشف أنك تغيرت.
*** ما قبل الصباح:
العالم ليس فقط ما عرفت.. كل ما حولك اكتشفه آخرون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف