عباس الطرابيلى
هموم مصرية السد: بين المفاوضات.. ورد الفعل!
كتبت هنا ـ يوم الجمعة الماضي ـ مقالاً عند النهضة عنوانه «تفاؤل وزير وتشاؤم شعب» أتعجب لما صارت اليه أمورنا مع اثيوبيا.. ووصلني رد من الدكتور خالد وصيف المتحدث الرسمي لوزارة الموارد المائية والري، ويشير فيه إلي أن استراتيجية التفاوض ـ في هذا الملف ـ تتطلب عدم الحديث إعلامياً عن الخطط والبدائل.. نظراً لما يكتنف هذا الملف من أمور فنية وسياسية علي درجة عالية من السرية لا يمكن الخوض فيها.. بما يؤثر سلباً علي الموقف التفاوضي المصري.. وأنا فعلاً مع هذه السرية، ولكن لابد من أن يعرف الشعب «بعض» ما يدور، لأن الأمر لا يتعلق بوزارة، ولا حتي بحكومة.. فهو يتعلق بحياة شعب.. وكفي ما عانيناه من هذا الاجتماع المشين ـ أيام حكم الاخوان ـ من هرتلة سياسية ومن جهل رهيب بشئون الأمن القومي.
<< ويبدأ رد الوزارة بذكر تاريخي لتطور هذه القضية ربما أكون أكثر الناس علماً بهذا التطور منذ ستينيات القرن الماضي. والمشروعات التي اقترحتها أمريكا علي أثيوبيا للرد علي إنشائنا للسد العالي ونخلص من هذه المقدمة إلي أن اثيوبيا تنتهج سياسة الأمر الواقع وتتجاوز كل قواعد القانون الدولي. وتعترف الوزارة هنا بأنه كلما زاد ارتفاع سد النهضة وزادت سعة تخزينه، زادت المخاطر علي مصر.. وأن مصر تقبل فقط سداً تقف سعته عند 14٫5 مليار متر مكعب، وهو الارتفاع الذي ورد في دراسة الجدوي عام 2007 وليس 74 ملياراً، كما هو ينفذ الآن.
<< ونظراً لحساسية هذا الملف فإننا ـ يقول الردـ نضع في اعتبارنا أن مياه النيل تمثل لمصر وللمصريين مسألة وجود وحياة.. لمصر كلها وليس لوزارة الري وحدها.. ثم يعرج الرد علي اللجان المتعددة الخاصة بهذا الملف من اللجنة الفنية التفاوضية. واللجنة الثلاثية الوطنية المصرية وهذه تجمع بين وزارتي الري والخارجية.. وجهاز المخابرات..ثم لجنة الجهات المعنية، وهذه ينضم اليها جهات عديدة وتجتمع بصفة دورية، قبل وبعد أي جلسة مفاوضات لتحدد الموقف التفاوضي والسيناريو الذي يتم اتباعه في جلسات التفاوض.. ثم اللجنة العليا لمياه النيل، وهذه برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية عدة وزراء وأجهزة عديدة.
<< وعلي ضوء تقييم الموقف الحالي فقد تم التوافق علي تشكيل لجنة مصغرة من ممثلي كافة الجهات المعنية بملف سد النهضة.. لدراسة البدائل المتاحة للتحرك المستقبلي واستراتيجية هذا التحرك.. ودون الدخول في التفاصيل، نعترف أن السرية مطلوبة هنا بالفعل.. ولكن الشعب يريد أن يعرف. وأن يطمئن. ولكن هذا يؤكد أن مصر تؤمن فعلاً بأهمية التعاون بين مصر.. وبين دول الحوض وهذه سياسة مصر منذ عشرات السنين. وكلها تصب في خدمة الأمن القومي المائي المصري بمساعدة السكان المحليين في حياتهم اليومية وفي مقدمتها تطهير مجري النيل لتزداد حصة مصر من هذه المياه، و هذه مشروعات تنفذها مصر في عدة دول مثل أوغندا وكينيا وتنزانيا وجنوب السودان والكونغو وكذلك من خلال حوارات ثنائية بين مصر.. وهذه الدول.. وهي أيضاً رسائل تبعث بها مصر إلي الدولة المعنية بكل هذا.. ونقصد بها اثيوبيا.. أي أن مصر وهي تحمي حقوقها المائية.. تدعم أيضاً عمليات التنمية بهذه الدول.. في إطار: الفائدة للجميع.. وهذا يجرنا إلي الاتفاقية الإطارية، نقصد اتفاقية عنتيبي بهدف تصحيح هذه العلاقات، التي أصابها الكثير من التوترات.. ونصل بذلك أيضاً إلي التواصل مع الجهات المانحة التي تمول مشروعات مبادرة حوض النيل.
<< ومع اعترافي الكامل بسلامة كل ما جاء في هذا الرد.. إلا أن الشعب شديد القلق علي ما يجري. لأن الشعب يري أن اثيوبيا تحسن استغلال انشغالنا بأمورنا الداخلية وتمضي ـ وبسرعة لافتة للنظر ـ نحو استكمال بناء السد.. بينما تماطل وتماطل في جلسات المفاوضات.
نعم للسرية هنا، خصوصاً ما يتعلق بالبدائل والاستراتيجيات المستقبلية.. ولكننا أيضاً ننتظر بين ـ وقت وآخر ـ إلي بيانات رسمية تشرح للناس كل ما يجري، دون إذاعة أي أسرار قد تضر أكثر مما تنفع. وشكراً علي الرد.