الأهرام
سناء البيسى
القلب يعشق كل جميل
جميل يحب الجمال.. هكذا قول الرسول صلى اللـه عليه وسلم عن الحق سبحانه.. المصطفى نبى الجمال والطُهر الذى تقف سننه وطهارته فى وجه الذين يملأون الدنيا الآن ظلاماً وكآبة ومُقتاً وقبحاً وإرهاباً، ويدّعون إنّا لمسلمون!.. كذبوا.. ولو أحسنوا فهم الإسلام لأحسنوا فهم قيم الجمال والحب والبهجة التى نثرها نبى اللـه زهورًا فى وجه الزمان.. ولمّا كان الجمال معظّماً فى القلوب «لم يبعث اللـه نبياً إلا جميل الصورة حسن الوجه كريم الحسب، حسن الصوت» هكذا قال على بن أبى طالب كرّم اللـه وجهه، فقد كان محمد عليه الصلاة والسلام أحسن الناس وجهاً، وأشرقهم طلعة ولم يصفه واصف إلا شبه وجهه بالقمر ليلة البدر المكتمل.. كان ضحاكاً بسّاماً، ألين الناس، وأكرم الناس، وأحسن الناس خلقاً.. كان خلقه القرآن.. ترمقه أم المؤمنين عائشة جالساً يخصف نعله والعرق يتصبب من وجهه الشريف كالدرّ المنثور فتقول له وقد بهرها جماله وجلاله.. لكأنك المعنى بقول الشاعر:

إذا نظرت إلى أسّرة وجهه..

برقت كبرق العارض المتهلل

فيقول عنها رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم: «من أدخل على أهل بيت من بيوت المسلمين سرورًا لم يرض اللـه له ثواباً دون الجنة»..

كان نبى اللـه يحب أن يكون الرسول الذى يُرسل إليه حسن الوجه حسن الاسم فيقول: «إذا أبردتم إلى بريدًا فليكن حسن الوجه حسن الاسم» وبالمثل كان يهتم بإرسال الوجوه الحسنة للقيام بالسفارة إلى خارج ديار المسلمين فكان سفيره «دحية بن خليفة الكلبى» صاحب أجمل وجه فى بلاد العرب، وكان من بنى كلب من الخزرج، وكان الرسول يشبهه بجبريل عليه السلام حتى أنه قال: «أشبه من رأيت بجبريل دحية الكلبى» وكان رسوله إلى قيصر ليدعوه إلى الإسلام، وقد شهد دحية جميع الغزوات بعد بدر وبقى حتى خلافة معاوية.. وتقول عائشة رضى اللـه عنها: «رأيت رجلا يوم الخندق على صورة دحية بن خليفة الكلبى على دابة يناجى النبى وعلى رأسه عمامة قد أسدلها عليه فسألت رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم قال: «ذلك جبريل عليه الصلاة والسلام»، وقد قام النبى بتغيير بعض الأسماء ذات المعنى أو الرنين المسىء فغيَّرَ اسم «عاصية» ليقول لها «أنت جميلة»، وغيّر اسم زوجته «بريرة» إلى «جويرية» التى قالت عنها أم المؤمنين عائشة رضى اللـه عنها «كانت حلوة ملاّحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، ولقد أعتق الرسول بزواجه منها مائة من أهل بيت بنى المصطلق، فكانت أعظم بركة على قومها.. وكان عُمر جورية وقت زواجها بالرسول عشرين عاماً وماتت عام 56هـ.. وهى فى السبعين فى خلافة معاوية، ومن الأسماء التى غيّرها الرسول أنه عندما مرّ على قرية اسمها «عفرة» فسماها «خضرة»، واسم «حزن» غيرّه إلى «سهل»، واسم «مضطجع» غيّره إلى «منبعث»، و«جثامة» إلى «حسانة»، و«شهاب» إلى «هشام».

وإذا ما كانت من علامات الجمال الاهتمام بنظافة الأسنان بغسلها بالفرشاة والمعجون الآن، فقد كان عليه أفضل الصلاة والسلام يستخدم السواك دوماً فى تنظيف أسنانه حتى روى عن عائشة رضى اللـه عنها: «مازال النبى يذكر السواك حتى خشينا أن ينزل فيه قرآن» وذكرت قول الرسول «لقد لزمت السواك حتى تخوفت أن يدردنى» ــ أى يحطم ضروسى ـــ وقولها: «كان النبى يستاك فيعطينى السواك لأغسله فأبدأ به وأستاك، ثم أغسله وأدفعه إليه»، وعن أبى هريرة قول الرسول صلى اللـه عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة»، وقول أم المؤمنين عائشة: «كنا نعد لرسول اللـه سواكه وطهوره فيبعثه اللـه ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ثم يصلى» وقولها: «وكان إذا قام من الليل أجرى السواك على فيّه».. وتكثف عائشة حياة كاملة من الجمال والجلال تعتصرها فى عبارة واحدة بقولها عن حب الرسول لها: «مات فى بيتى.. وفى يومى.. وبين سحرى ونحرى.. وجُمع بين ريقى وريقه عند الموت.. وكان أحدنا يعوذ الآخر بدعاء إذا مرض فذهبت أعوّذه فرفع رأسه إلى السماء وقال «فى الرفيق الأعلى.. فى الرفيق الأعلى»، ومر عبدالرحمن بن أبى بكر وفى يده جريدة رطبة ــ السواك الأخضر ــ فنظر إليه النبى فظننت أن له بها حاجة فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها فدفعتها إليه فاستن بها كأحسن ما كان مستناً، ثم ناولنيها فسقطت يده، أو سقطت من يده، فجمع اللـه بين ريقى وريقه فى آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة».

حبيبة حبيب اللـه.. عائشة التى قالت: «ما مر رسول اللـه على بابى يوماً قط إلا وقد قال كلمة تقرُّ بها عينى»، وقال: «ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة»، وتسأل عائشة: «كيف حبك لى؟ فيقول: كعقدة الحبل، فتعاود السؤال كل حين: كيف العقدة يا رسول اللـه؟ فيقول: هى على حالها!».. وسارا معاً فى إحدى الليالى ليقول لها «لأنت أحب إلىّ من زُبد بتمر» وهى أشهى وأحلى الأكـلات وأكثرها إشباعاً.. عائشة التى كان يدلّلها «عائش» ليقول لها: «يا عائش! هذا جبريل يقرأ عليك السلام» وإذا ما غضب منها يناديها «يا عويش!» قولى: اللـهم رب محمد، اغفر ذنبى، وأذهب غيظ قلبى، وأجرنى من مُضلات الفتن، ويدللـها (يا شقيراء) لتروى: «خرجنا مع رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم حتى إذا كنا بالقاحة ـــ مكان جنوب المدينة ــ سالت على وجهى من رأسى صُفرة مما جعلت فى رأسى من الطيب حتى خرجت، فقال النبى: «إن لونك يا شقيراء لحسن!».. عائشة.. ذوّاقة الشِعر التى روت عن الشاعر «لبيد» اثنى عشر ألف بيت من الشِعر ليقول عنها «عروة» كما جاء فى البخارى «ما رأيت أعلم بالشِعر منها»، كان رسول اللـه يلقّبها بالحميراء للون بشرتها الأبيض المشرب بالحمرة، وما كانت تقول عنه إلاّ «حبى» ويقول لابنته فاطمة «إنها حب أبيك ورب الكعبة» و«أليس تحبين من أحب؟» قالت: نعم.. وتبغضين من أبغض؟ قالت: بلى.. قال: فإنى أحب عائشة فأحبيها.. قالت فاطمة: لا أقول لعائشة شيئاً يؤذيها أبدًا».. ويقول النبى: «عائشة زوجتى فى الجنة» ويقول المصطفى: «فضل عائشة على الناس كفضل الثريد على سائر الطعام» وأنه لقِمة فى التعبير أن يتحدث رسول اللـه عنها كمذاق وأن يشبهها بالطعام الذى يكون به استمرارنا فى الحياة، ويقول سيد الخلق: «فضل عائشة على النساء كفضل تهامة على ما سواها من الأرض» وتهامة من أجود الأراضى الساحلية..

ولولا عائشة لجهلنا الكثير عن رسول اللـه، ولو خلت السُنة من أحاديث عائشة فى الإسلام وفى رسول اللـه لما بَقى من السُنة إلا النذر اليسير، ولولا عائشة لما علمنا من صفات المختار أنه كان عظيم الهامة واسع الجبين، سبط الشعر، أزجُّ الحاجبين بينهما عِرْق يدره الغضب، أدعج العينين فى كحل، أسيل الخد، ضليع الفم، غزير اللحية، جميل الجيد، عريض الصدر، واسع المنكبين، طويل الزندين، رحب الراحة، لا بالمشذّب ولا بالقصير، مربوعاً أو أطول من المربوع، معتد الخَلق، فما كان بالبدين ولا بالنحيل، يمشى وكأنما ينحدر من جبل، ويرفع قدمه فيرفعها تقلعاً، كأنما ينشط بجملة جسمه، ويلتفت فيلتفت كله، ويشير بكفه كلها، ويتحدث فيقارب يده اليمنى من يده اليسرى، وكان أهدف الأشفار (الرموش) حتى تكاد تلتبس من كثرتها، طويل الأنف من أوله إلى آخره، مع الاستواء والشمم، ويركب فرساً عارية، فيروضه على السير، ويداعب من يحب بالمسابقة فى العدْو.. ولولا عائشة لما علمنا من أنه كان بين كتفيه خاتم النبوة قريباً من كتفه الأيمن، فيه شامة سوداء تضرب إلى الصفرة، حولها شعرات متواليات كأنهن عُرف فرس، وكان كفه ألين من الحرير، وكأنه كف عطار إذا ما مسها بطيب أو لم يمسها، يضعها على رأس الصبى، فيعرف من بين أقرانه من ريحها على رأسه.. ولولا عائشة لما علمنا من أن نبى اللـه لم يكن يسرد كأغلب الناس وإنما كان كـلامه فصل يفقهه كل أحد، وحديثه حِكمة وأقواله بيان ولهذا كثر الرواة عنه، وكان إذا تحدث إلى أحد لم ينظر فى عينيه، وإنما يبتسم ويرفع رأسه إلى السماء، ويعجبه الفأل الحسن، وكان يدعو الناس إلى جمال الباطن مثل جمال الظاهر فيقول لجرير بن عبداللـه: «أنت امرؤ قد حسن خَلقك فأحسن خُلقك»، ويحذر من نتاج سوء التربية بقوله: «أيها الناس إياكم وخضراء الدِّمن، فيسألونه: ما خضراء الدمن يا رسول اللـه؟» يقول: الحسناء فى المنبت السوء».. وما كان يرى إلا الجمال فى الخِلقة والخُلق والاسم والطبع والأفعال، وكان ينهى عن النوح، وعلمه ربه تأويل الأحلام، وإذا سر استنار وجهه، وقال بالعلم ونادى بالتعلم وأعلى من شأن الخبرة والتجريب، واختار أن يكون نبياً عبدًا لا نبياً ملكاً، ومال إلى الفطرة فى مأكله وملبسه ومنامه ومعاملاته فلا هو داود ولا سليمان، ولا هو المسيح ولا موسى، وكانت رسالته الجامعة للرسالات جميعاً، وكانت معجزته هى منهجه.. وعن إعجابه بجمال مخلوقات الكون وحسه المرهف تقول عائشة رضى اللـه عنها: «كان يعجبه النظر إلى الأترج ــ شجر الليمون ــ والنظر إلى الحمام الأحمر» ومن أقواله: «صوت الديك صلاة وضربه بجناحيه ركوعه وسجوده».. وعن عُروة عن أم المؤمنين عائشة قوله لأبى بكر الذى دخل عليها وعندها جاريتان من جوارى الأنصار تغنيان يوم «بعاث» فقال أبوبكر: أبمزمور الشيطان فى بيت رسول اللـه؟! فقال له النبى: «يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًآ وهذا عيدُنا؟»، ويسأل الرسول عن عروس من الأنصار ذات قرابة لعائشة: «أهديتم الفتاة؟» قالوا: نعم، قال «أرسلتم معها من يغنى؟ قالت: لا.. فقال نبى اللـه: «إن الأنصار قومٌ فيهم غَزَل، فلو بعثتم معها بغانية تضرب بالدُّف وتغنى» فقالت عائشة: تقول ماذا؟ قال: تقول:

أتينـاكــم أتينـاكـم.. فحــيّانا وحــيّاكم

ولولا الذهـب الأحمـر.. ما حلَّت بواديكم

ولولا الحنطة السمراء.. ما سَمِنت عذاريكم

وتقول عائشة: خرجت مع النبى فى بعض أسفاره ولم أبدن بعد، فقال للقوم: «تقدموا»، ثم قال لى: «تعالى حتى أسابقك، فسابقتُه فسبقته، فسكت عنى حتى إذا حملت اللحم وبدنت نسيت، حتى إذا خرجت معه فى بعض أسفاره فقال للقوم: «تقدموا» فتقدموا، ثم قال لى: «تعالى حتى أسابقك» فسابقته فسبقنى، فجعل يضحك ويقول: «هذه بتلك».. وعن عائشة أن النبى كان يبغض المرأة السلتاء المرهاء «أى التى لا تختضب ولا تكتحل» وقولها: «أومأت امرأة من وراء ستر بكتاب إلى النبى فقبض يده قائلا: ما أدرى أيد رجل أم يد امرأة؟ قالت: بل يد امرأة، فقال: لو كنت لغيّرت أظافرك بالحناء»، وقوله لهند عندما جاءته تقول: «يا نبى اللـه بايعنى، قال: لا أبايعك حتى تخضبى كفيك فكأنهما كفا سبع»، وكانت عائشة تلبس القلائد لتستعير إحداها أختها أسماء ليبعث النبى فى طلبها رجالا ـــ كما جاء فى البخارى ــ وكان لعائشة درع ــ قميص مطرز من ثياب اليمن ـــ على عهد رسول اللـه لتقول عنه «ما كانت امرأة تقين ــ تتزوج ــ بالمدينة إلا أرسلت تستعيره».. وكان فى حجرة عائشة بعد انتقال نبى اللـه إلى الرفيق الأعلى من أدوات تجميل ووسائل المعيشة سوى القليل، ولكنه البسيط الجميل.. كان هناك ثوبان وإزاران وقميص وجِبّة يمنية وعدة قلانس وملحفة ومقراض وسواك وقدح مشغول بالفضة ومخضب من شبّ يخلط مع الحناء، وقدح من زجاج ووعاء للغسل من نحاس وقصعة ومجرفة يخرج بها زكاة الفطر وخاتم من فضة منقوش عليه محمد رسول اللـه، وكان له بغلة شهباء يقال لها «الدلدل» أى القنفذ الضخم، وحمار يقال له «يعفور»، وفرس أشقر هو «اللزاز» أو «الميمون» وبعض من عسل بنها الذى دعا له بالبركة، وأثواب من نسيج مصر وخفين وعمامة وعباءة وكان له مكحلة ليكتحل فى كل عين ثلاث مرات، وعلبة هدية من المقوقس تضم مشطاً من العاج ومكحلة ومقراطاً لقص الأظافر وسواكاً ومرآة وملقاطا صغيرا، وكان من عادة الرسول أن تصفف له عائشة شعره، أو تضع له الكمادات على عينيه من مسحوق حجر الإثمد، وكان يكثر من تسريح لحيته، وعندما رأى أصحابه بعضاً من الشيب فى رأسه قالوا: شبت يا رسول اللـه، فقال: شيبتنى هود وأخواتها.. وتروى عائشة رضى اللـه عنها أن النبى كانت له شُكّة يتطيب منها ــ أى زجاجة عطر خاصة به ــ وكان يختتم فى يمينه ثم حوّله فى يساره وكان خاتماً من الفضة، وذات يوم كان ينتظره بعض الصحاب على الباب فجعل ينظر إلى الماء قبل خروجه ويسوى شعره ولحيته فقالت له عائشة: أنت تفعل هذا؟.. قال: نعم إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهئ من نفسه فإن اللـه جميل يحب الجمال..

ويسألون أم المؤمنين عائشة رضى اللـه عنها: هل سمعت رسول اللـه يتمثل بالشعر قط؟ قالت: كان أحيانا إذا دخل بيته يقول: «ويأتيك بالأخبار لم يُردَّدِ»، وفى المرة التى تمثل فيها ببيت من الشعر قال: «كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهياً» قال له أبوبكر: «كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً» وذلك ليُصحح بيت الشعر، وكان الصحابة ينشدون له:

«لولا أنت ما اهتدينا.. ولا تصدقنا ولا صلينا.. فأنزلنّ سكينة علينا.. وثبت الأقدام إن لاقينا» فكان الرسول يردد من خلفهم فيقول «اهتدينا.. أو صلينا.. أو لاقينا.. الخ» ويمد فى قوله ذلك مداً.. وعن ابن شهاب أن الرسول صلى اللـه عليه وسلم عندما كان يبنى مسجد المدينة ويساعد فى نقل اللبن «الطوب» يقول:

اللـهم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة

وأبدًا لم يقل اهتمام الإسلام بالجمال البشرى عن اهتمامه بجمال الأرض والسماء والكون والبحر والطير، فقد أفاض القرآن الكريم فى وصف «الحور العين» وصفا جماليا فى قوله تعالى: «كأمثال اللؤلؤ المكنون» و«إنا أنشأناهن إنشاء. فجعلناهن أبكارًا، عُرباً أتراباً» ويصف الرسول صلى اللـه عليه وسلم جمال وبهاء نساء الجنة ليقول: «صفاؤهن صفاء الدُّر.. عذارى عُربا.. أتراباً على ميلاد واحد.. ألبس اللـه وجوههن النور، وأجسادهن الحرير.. خُضر الثياب.. صفر الحلى، أمشاطهن الذهب.. يقلن: نحن الخالدات فلا نموت أبدًا.. نحن الراضيات فلا نسخط أبدًا.. طوبى لمن كنا له وكان لنا».. وفى الطبرانى عن الرسول صلى اللـه عليه وسلم قوله: «خلق الحور العين من الزعفران».. وكان مما يستحسن فى المرأة فى قول الحسن البصرى طول أربعة وهى: أطرافها، قامتها، وشعرها وعنقها.. وقصر أربعة هى: يدها ورجلها ولسانها وعينها، وبياض أربعة: لونها، وثغرها، وفرقها وكعبها، وسواد أربعة: أهدابها، وحاجبها وعينها، وشعرها، وحمرة أربعة: خدها، وشفتها، ولسانها، وظفرها، ودقة أربعة: أنفها، وبنانها، وخصرها، وذقنها، وسعة أربعة: جبينها، وعينها، وصدرها ووجهها.. وإذا ما كان التجاوز فى الغزل قد بلغ مداه مع الشعر الجاهلى فإنه من بعد الإسلام قد بقى صريحا وإن اختلف فى صورته ليغدو تصويرًا لأحاسيس ومشاعر وخيالات الحب التى سكبها المجتمع الجديد فى نفوس الشعراء وهو مجتمع ظفرت فيه المرأة العربية بغير قليل من الحرية فكانت تحادث الرجال وتلقاهم وإن احتفظت بحجاب من الوقار لا تضيق فيه بما يقال فيها من غزل، وكان سيد شعراء الغزل ووصف أوجه الجمال هو عمر بن أبى ربيعة المولود فى 23هـ وكان قد أرسله نبى اللـه ليكون والياً على إقليم فى اليمن يسمى «الجند» ليظل فى منصبه حتى عهدى عمر وعثمان، وكان جميلا ثريا منعماً مدللا يعلن عن حبه شعرا لكل امرأة ذات حسن يلقاها مثل لقائه بثلاث شقيقات قال عنه:

قالت الكبرى أتعرفين الفتى

قالت الوسطى نعم هذا عمر

قالت الصغرى وقد تيَّمْتها

قد عرفناه وهل يخفى القمر

ويبعث الرسول صلى اللـه عليه وسلم بعبداللـه بن ثابت ولقبه «الأحوص» لمحاربة بنى الحيان فى نفر، فعاد منتصرا، وكان من شعراء الغزل يملك الجمال عليه مجامع الفؤاد حتى أنه القائل:

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى

فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا

وفى كتاب الأغانى للأصفهانى كنوز وفيرة من أشعار الغزل والتغنى فى جمال الحبيبة كشعر كثير عزة، وعبدالرحمن بن أبى عمار الذى لقب بـ«القَس» لغزله العذرى فى سلاّمة الجميلة ومن أشعاره التى رددها النجم يحيى شاهين عندما قام بدوره التاريخى فى فيلم «سلاّمة» لتشاركه أم كلثوم بالغناء فى دور الجارية الحبيبة الشادية:

قالوا أحب القس سلامة وهو التقى الورع الطاهر

كأنما لم يذق طعم الهوى.. والحب إلا الرجل الفاجر

يا قوم إنى بشر مثلكم.. ولى كبد تهفو كأكبادكم

ولى فؤاد مثلكم شاعر



الخــــناقة عــلى ماذا؟!

«إن الخناقة الحقيقية المطلوبة الآن تكون بين برنامج حزب يناطح برنامج حزب آخر، وبرغم احترامى لهم جميعاً فأنا لا يمكن أن أنضم لحزب لأن رئيسه فلان أو علاّن. أنا أنضم لحزب لأن برنامجه كذا أوكيت، وليس مهما أن يكون رئيسه ماوتسى تونج أو كارتر.. الخناقة الآن بين ورثة فى الحقيقة لم يرثوا إلا مصنعا أغلقت أبوابه، وقطعة أرض شريطية طويلة طولا لا معنى له وضيقة ضيقا لا معنى له، وورثنا فيما ورثنا عصابة من اللصوص تريد أن تنتهز الفرصة وتسطو على ما تبقى من «حُصر» ومصابيح وجدَك.. ورثنا قضية وجود كامل أصبحت حادة وتهدد بأبشع الأخطار، وكل ثروتنا فى الحقيقة هى هؤلاء الأربعون مليون ــ الرقم فى التسعينيات ــ رجل وطفل وامرأة ذلك الإنسان المصرى الخالد.. كنزنا منذ الأزل، ثروتنا عرقه وكدّه، وكل بقائنا راجع إلى نصف هذا الشعب، نصفه الفلاح ينحنى اثنتى عشرة ساعة كل يوم، وعمال يعرقون من أجل أن تلتهم مدننا الكبرى الخبز والخدمات. عُشر هذا الشعب هو الذى ينتج وتسعة أعشاره يحيون بعرق العُشر.. جهاز حكومى بليد عنيد عتيد يتحكم فى رقاب العاجزين وينحنى أمام القادرين.. قوانين وإجراءات رائحتها فقط تقتل أى رغبة فى العمل أو السعى، والعمل نفسه يكاد يتوقف. كنزنا هو هذا البشر..

تخانقوا كيفما شئتم ــ وآخر خناقة أن حزب النور قد أعلن أنه لن يحضر الجلسة الافتتاحية للبرلمان، لأنها ستكون برئاسة الدكتورة آمنة نصير لأنها أكبر الأعضاء سناً، ومن وجهة نظر حزب النور أنه لن يفلح قوم ولوّا أمرهم امرأة.. وفى الانتظار موقف السلفيين تجاه السلام الوطنى ــ لكن ذلك الخناق الراقى بتوجه سياسى حقاً.. قولوا له هكذا مباشرة ماذا عليه أن يفعل ليعيش وماذا عليه أن يفعل ليصل إلى مرحلة الإنسان. لا تكلموا بعضكم البعض. كلموه هو وإلا فلن ينتظر حتى تنتهى خناقاتكم الأنانية وإنما سينفض أيديه منكم.. جميعا»..

كلمات غاليات قالها العبقرى الراحل يوسف إدريس فى نهاية السبعينيات فى مقال بعنوان «الخناقة على ماذا؟» تم منعه من النشر، وها نحن بعد ما يقرب من 36 عاما نجتر كلماته ونترحم عليه، فمازالت الخناقة منصوبة والعراك قائما، وقرفنا الذى طفح به الكيل يجعل الرجل الذى منحه لنا القدر ليحتمل فوق طاقة البشر يقول لنا بمنتهى السماحة والأدب فى مولد خير البشر: لا.. لا.. ماتخرجوش أنا اللى ماشى!!... ماشى!!!.. ماشى فين يا أمل التسعين مليون!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف