سليمان جودة
الإصلاح الدينى لم يبدأ أصلًا.. فكيف يستمر؟!
فى يناير من هذا العام، كان الرئيس عبدالفتاح السيسى، قد دعا الأزهر إلى أن يقود حركة تجديد فى الخطاب الدينى الموجه للناس، وكان قد طلب من الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن يتولى هذه المهمة بنفسه.. وما أعظمها من مهمة!
وفى مناسبة لاحقة، أى فيما بعد يناير، خاطب الرئيس رجال الأزهر مرة أخرى، ثم رجال الدين عمومًا ممن هم فى مواقع المسئولية، وقال ما معناه إنه يُشهد الله عليهم، وأنه سوف يحاججهم أمام الله، يوم القيامة، بما طلبه منهم!
وكانت اللهجة، من جانب الرئيس هذه المرة، أعلى من سابقتها، ثم كانت فى الوقت ذاته، دليلًا على أنه لا يجد من هؤلاء الرجال، شيئًا مما كان قد طالبهم به، من أجل كل مسلم فى مصر وخارجها، ومن أجل ديننا العظيم، ومن أجل ألا يستولى على هذا الدين، ويتحدث باسمه، أمام العالم، نفر ممن لا علاقة لهم بمضمونه، ولا بمبادئه، ولا بمقاصده العليا!
وأذكر أنه بعد دعوة الرئيس لهم، فى يناير أن الأزهر، ووزارة الأوقاف، ودار الإفتاء قد صدر عنها معًا، ما يفيد أنها كجهات ثلاث رسمية مسئولة عن أمور الدين، سوف تقود قوافل دعوية فى المحافظات، وخارج مصر، لمخاطبة الناس هنا، وفى خارج الحدود، بما يقول به الإسلام فعلًا، فى فطرته الأولى، وفى نصوصه الثانية، وليس بما يقول به الذين يتحدثون باسمه، ويرتكبون الجرائم باسمه، ويمارسون العنف والقتل باسمه فى «داعش» الإرهابى، وفى غير داعش الإرهابى، من سائر هذه الجماعات أو المجموعات، التى خرجت فى الأصل، من جعبة جماعة الإخوان الأم!
أذكر هذا، ثم أذكر أنى قلت عن ذلك فى وقته، إن ما تقرر على مستوى الجهات الثلاث الدينية الكبرى، خطوة محمودة، لو استمرت، ثم أذكر أننى أخذتُ عليها، أنها خطوة تأتى بمثابة رد فعل، على دعوة الرئيس، وأنها ليست فعلًا مبادرة.. فهذا الفعل بالضبط، هو ما نريده، وهو ما نحتاجه، وهو ما يجب أن يميز حركتنا طوال الوقت، فى مجال الإصلاح الدينى، وغير الإصلاح الدينى.
ومع ذلك، فإن ما بدأ لم يستمر فيما يبدو، وكان قصير النفس كعادة خطواتنا فى أغلبها، ليبقى موضوع الإصلاح الدينى، موضوعًا موسميًا يتجدد الحديث عنه، فى كل مناسبة لها علاقة به، ثم لا يلبث أن يخبو ويختفى، إلى أن تستدعيه مناسبة أخرى!
وما أثار دهشتى، فى الاحتفال الذى جرى بذكرى المولد النبوى الشريف، الأسبوع الماضى، أن الرئيس قد طلب فى كلمته التى ألقاها خلاله، باستمرار جهود الإصلاح الدينى، واستئصال الأفكار الخبيثة!
أثار دهشتى أن الرئيس يطلب استمرار الجهود، فى حين أنها، فى تقديرى، لم تبدأ بعد، لكى تستمر، وإذا كانت قد بدأت، فأرجو ممن يتابع مسيرتها وبداياتها، أن يدلنا عليها، وأن يرينا إياها، لعلنا نكون غافلين عنها!
إن أى غيور على أمر ديننا، لابد أن يقر بكل صراحة، بأن الجهود التى طلبها الرئيس، منذ عام، لم تبدأ بعد، وأن الغضبة التى كان هو قد أظهرها، عندما اكتشف أن ما طالب به، لم يحدث، لاتزال مطلوبة منه، وبشكل أقوى، وأكاد أقول أعنف!
إننى شديد التقدير للدكتور أحمد الطيب، ولذلك، أشعر بحزن، لأن وجوده على رأس الأزهر، لا ينتج لنا، فى اتجاه الإصلاح، ما ننتظره من رجل فى مكانته، وبحجمه، وبوزنه، ولا أريد له أبدًا، أن يضيع فرصة أن تتاح لأزهرنا، ولا حتى له هو نفسه، مرة أخرى.. إذ لا يزال أمام الرجل أن يقود من خلال الأزهر، ما كان قد قاده من قبل، رجال، من أمثال الأستاذ الإمام محمد عبده، والأستاذ رشيد رضا، والشيخ مصطفى عبدالرازق وغيرهم.. فهؤلاء جاءوا إلى دنيانا، وأرادوا أن يغادروها، وقد عملوا فعلًا فى سبيل أن تكون صورة الإسلام، وواقع المسلمين فى عالمنا، أفضل مما كانت الصورة، وكان الواقع، قبل مجيئهم، بصرف النظر تمامًا، عما إن كانوا قد نجحوا فيما سعوا إليه، أو لم ينجحوا، فالمهم أنهم بدأوا، وأنهم بادروا، وأنهم عملوا، وأنهم قاتلوا من أجل إظهار حقائق دين الإسلام أمام كل ذى عينين.. وهذا بالضبط، ما نريده من الإمام الأكبر، ولا نريد سواه!