وائل لطفى
إصلاح دائم ولا ثورة مؤقتة
>>لا توجد سوى 25 يناير واحدة فى تاريخ مصر.. ومصر الآن غير مصر 2011
>>من اللافت أن الرئيس تحدث لرافضى النظام فى خطابه الأخير ولم يتحدث لدعاة الإصلاح من داخل النظام
>>الإصلاح هو الحالة الوسط بين التأييد الدائم وبين الكراهية والدعوة للهدم وعلى الرئيس أن يعترف بالإصلاحيين وأن يستمع لهم
>> الجماعة الإرهابية التى تدعو للثورة الآن هى نفسها التى تبرأت من الدعوة للثورة فى 2011
>> ينقص النظام أن يعترف بالداعين للإصلاح من داخله، أن يسمع لهم، وأن يقابلهم
لن أنزل فى 25 يناير المقبل، ولا أنت أيضا، فـ«25يناير» هى ثورة واحدة لا تتكرر، وهى ثورة صنعها الشعب، وسرقها الإخوان، وكرهها الفلول، وممثلو القوى التقليدية.
وهى كانت نتاج أسباب متعددة أهمها هو عدم حسم الرئيس مبارك لمستقبل البلد من بعده، وميله فى سنواته الأخيرة لسيناريو التوريث، بما كان ينطوى عليه من إهانة لكرامة البلد ولمؤسسات راسخة فيه.
وفى ظنى أنك لا تنزل النهر الواحد مرتين، ولا تقوم بنفس الثورة مرتين، خاصة أن الظروف ليست هى نفس الظروف، ولا مصر الآن هى مصر التى كانت حُبلى بالثورة فى شتاء 2011.
فالجماعة الإرهابية التى تدعو للثورة الآن هى نفسها التى تبرأت من الدعوة للثورة فى 2011، وإن ركبتها وسرقتها بعد ذلك.
ولا يمكن لعاقل أن يتخيل أن إسقاط النظام لثالث مرة خلال خمس سنوات يمكن أن يحمل خيرًا للبلاد أو للعباد.
ولا يمكن لعاقل أيضًا أن يتخيل أن الحل هو أن نسقط نظامًا أجمع عليه المصريون فى لحظة تاريخية لنستبدل به نظامًا آخر غير موجود سوى فى خيال الذين يدعون للثورة، ولا تسانده قوى اجتماعية أو فعلية على أرض الواقع. إلا إذا كان الذين يدعون للثورة يفكرون فى عودة جماعة ممزقة ومهلهلة وفاشلة بامتياز مثل جماعة الإخوان، وهو ضرب من ضروب الخيال يصل إلى حد الجنون.
وبشكل عام فأنا غير مشغول بدعوات الثورة بقدر ما أدرك حاجة بلادى للاستماع لدعوات الإصلاح.
وقد لفت نظرى أن الرئيس فى خطابه الأخير اهتم بأن يحدث الذين يدعون للثورة وأن يوضح لهم خطأ ما ذهبوا إليه.
فى حين أنه بشكل عام لم يوجه خطابًا للذين يدعون للإصلاح.. وهى مفارقة غريبة.
فالذين يدعون للإصلاح هم أولئك الحريصون على بقاء النظام، وعلى تقدم البلاد، وعلى أن تكون فى أحسن حال.
غريب جدًا أن يكلم الرئيس أعداء النظام ويتجاهل أصدقاءه.
فحول كل نظام توجد ثلاث فئات..الكارهون الذين يتمنون زوال النظام ويرون معركتهم معه معركة وجود.
والمؤيدون الدائمون أو (المهللون) الذين يرون أن الرئيس دائمًا على حق فى أى تصرف، وفى كل مشروع. وهم فى ظروف بلد مثل مصر عادة ما يكونون خليطًا من المخلصين والانتهازيين، ومن أصحاب النوايا الصادقة، ومن أصحاب المصالح أيضًا.
وهم فى بلد مثل مصر يضمون بين صفوفهم أعدادًا لابأس بها من فصائل الدببة التى تقتل أصحابها، فى حين أنها تظن أنها تدافع عنهم.
ومع الكارهين والمهللين ستجد أولئك الراغبين فى الإصلاح، وهم فى رأيى حريصون على مصلحة النظام وعلى بقائه بأكثر بكثير من الآخرين.
الرئيس يستجيب بالطبع لدعوات مختلفة يطلقها الإصلاحيون، وهم كما قلت من الحريصين على بقاء النظام.
وعندما يوجه الرئيس تعليمات للشرطة بعدم التجاوز أو عندما تتم إحالة الضباط المتجاوزين للتحقيق أو عندما يتم الإفراج عن بعض المعتقلين، فهذه كلها خطوات إصلاحية يتخذها الرئيس ليرفع بها ظلمًا وقع، وليعيد بها الأمور إلى نصابها.
لكن الحقيقة أن هذا لايكفى، وكما يعترف النظام بالمتطرفين فى تأييده - وهذا طبيعى - وكما اعترف أيضًا برافضيه والداعين للخروج عليه ووجه لهم الحديث فى خطابه الأخير.
ينقص النظام أن يعترف بالداعين للإصلاح من داخله، أن يسمع لهم، وأن يقابلهم، وأن يشعرهم أنهم موجودون كقوى أساسية، وكصوت مسموع فى هذا البلد، خاصة أن هدفهم مع كل إصلاح يدعون إليه هو بقاء النظام وتطور الأمور إلى الأفضل.
إن الإصلاح فى اللغة هو (التغيير من حال إلى حال أحسن).. وقد عرّفته الموسوعة السياسية بأنه (تعديل أو تطوير غير جذرى فى شكل الحكم أو العلاقات الاجتماعية دون المساس بأسسها.. وهو بخلاف الثورة ليس إلا تحسينًا فى النظام السياسى أو الاجتماعى القائم دون المساس بأسس هذا النظام)، وتمضى الموسوعة فى وصف الإصلاح قائلة: (إنه أشبه بإقامة الدعائم التى تساند المبنى لكى لا ينهار، وعادة ما يستعمل الإصلاح لمنع ثورة من القيام أو من أجل تأخيرها).
كارهو النظام لا يحبون الإصلاح لأنه يطيل من عمر النظام من وجهة نظرهم، والمتطرفون فى التأييد لايحبون الإصلاحيين لأن ما يطلبونه لايعجب أحيانا، ولأنهم لا يكتفون بالتطبيل مثل غيرهم.
لكن فى تاريخ مصر كان الإصلاح دائمًا هو الحل، وكان التأخر فى الإصلاح بابا لانهيار الأوضاع..استمع للإصلاحيين يا سيادة الرئيس فربما كان الإصلاح هو الحل.