عمر طاهر
ورقة صنفرة يوميات الأبنودي في حرب السويس
< الأبنودي لم يأت إلي السويس لكي يستجم أو يقضي الويك اند، بل جاء ليقضي علي خط النار اجمل ست سنوات في حياة أي انسان <
الكاتب حسين العشي صاحب رصيد حافل في كتابة تاريخ السويس والمقاومة الشعبية وتوثيقه دون ضوضاء أو استعراض، ولعل كتابه (خفايا حصار السويس)، هو المرجع الأول لمرحلة حاسمة في الحرب ضد إسرائيل، تلك الحرب التي لولاها لم يكن انتصار أكتوبر ليكتمل، هذه المرة اختار الأستاذ حسين العشي أن يرصد من داخل حرب السويس خط سير الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي الذي قضي فترة الحرب كاملة في بيوت وخنادق السويس وخرج منها بكثير من الفن والأدب أشهر ما فيه كانت أغنية (عدي النهار) التي أخذت بيد السوايسة ثم المصريين كلهم لعبور مرحلة النكسة والتي كان عبدالناصر يتصل بالاذاعة المصرية ليطلب منها تكرار بث الأغنية.
في كتابه (بياع العذاب)، وبالمناسبة بياع العذاب هو اسم قصيدة كتبها الأبنودي عن بائع الصحف السوداني الذي رفض أن يعود إلي بلاده مع الحرب وهو حال سكان كثيرين من أهل المدينة وقتها من اليونايين والهنود فضلوا الموت في صحبة السوايسة علي العودة إلي بلادهم، يقول الكاتب إن الأبنودي لم يأت إلي السويس لكي يستجم أو يقضي الويك اند، بل جاء ليقضي علي خط النار اجمل ست سنوات في حياة أي انسان ( من التاسعة والعشرين حتي الخامسة والثلاثين)، قائلا إن من يريد الدفاع عن شرف مصر يجب أن يعيش داخل خط المواجهة في السويس، يحكي أن الأبنودي لم يشأ أن يعيش ضيفا أو يحظي بمعاملة خاصة، فنام علي الأسرة الفقيرة نفسها متناولا الطعام الميري الذي كان يأتي يوميا من وحدات الجيش مخلصا لدعم مجموعة من بسطاء السويس يتقدمهم كابتن مصارعة يسهرون في حلقات تعزف علي السمسمية حتي أصبحت فرقة أولاد الأرض بقيادة الكابتن غزالي.
كان الأبنودي يغيب عن الناس في شوارع السويس يتأمل الوجوه فكتب ديوانه (وجوه علي الشط) الذي يؤرخ بالشعر تجربة اختلط فيها مصير الوطن بمصير الانسان، ثم جاءت (يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي.. استشهد تحتك وتعيشي انتي)، والتي تصادف خروجها إلي النور بعد أن وصل إلي السويس الملحن ابراهيم رجب والمغني الكبير محمد حمام، كان نجاح الأغنية أسطوريا وملهما لأن كل سطر فيها اختلطت حروفه بالتراب الذي كان يثيره القصف الاسرائيلي للمدينة.
هذا الكتاب الصغير يقول الكثير في رسالته، ومن بين ما يكشفه قصيدة مجهولة ورسالة من الأبنودي تقول:
عيب ع الرجال الملاح يمشوها مطاطين
ويشربوا الرايجة
وقلب الرايجة عكران طين
ضاحكين علي بعض؟ ولا علي مين ضاحكين؟