يوسف القعيد
يحدث في مصر الآن اليأس المتحرك
أما أن يقول إنه سيمشي إذا أراد المصريون منه ذلك. فلنا وقفة مع هذا الكلام. فكيف يريد المصريون هذا من رئيس أنقذهم من ظلام وغياهب وسرقات الإخوان؟
ماذا فعلنا نحن أهل مصر إزاء ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي في الاحتفال الذي أقيم بالمولد النبوي الشريف؟ كان أمام الرئيس خطاب مكتوب. لكنه ارتجل بعض الكلمات والعبارات التي لا تقل أهمية ولا خطورة عما كان مكتوباً أمامه. تحدث عن الخامس والعشرين من يناير الذي نصل إليه بعد أيام.
قبل الوصول لما قاله الرئيس لفت نظري وتوقفت أمام دلالة هذا الصمت التام الذي يمكن أن يوصف بالخرس الذي أصاب المجتمع المصري. كلام خطير قاله الرئيس ومر مرور الكرام. ومضي كأن الرئيس لم يقله. مع أن أهل مصر الآن لا يمارسون سوي الكلام. يعومون في بحور الكلام. يجدون فيه الملاذ الذي يمكن أن يمارسوا من خلاله ما لا يفعلونه في حياتهم اليومية.
ومن يتابع الفضائيات التي نسميها برامج التوك شو. سيجد نفسه وقد أوشك علي الغرق في بحار ما يقال وما يحكي وما يفتون به. ابتداء من الثامنة مساء وحتي ما بعد منتصف الليل. ولا شئ سوي الكلام - في الفاضية والمليانة - لكنهم لم يتوقفوا أمام ما تحدث به الرئيس.
تصورت أن الأحزاب ستصدر بيانات. وأن القوي السياسية ستتحرك. وأن رموز المجتمع من النخبة سيكون لها شأن. تقبله أو ترفضه أو تعلق عليه أو تعيد صياغة بعض كلماته أو تقدم موقفاً بديلاً للموقف الذي اتخذه الرئيس. وهذا كله من حقها في إطار الجماعة الوطنية المصرية. وفي سياق أن هذا الوطن هو وطننا جميعاً. وأن ما يجري فيه الآن محاولة للبناء علينا أن نشارك فيها جميعاً. باليد أو العمل أو التفكير. أو حتي مجرد إبداء الرأي. وهذا أضعف الإيمان.
تساءلت: أين هم المصريون؟ هل تركوا البلد دون أن ندري؟ هل وجدوا لهم بلداً آخر غير مصرنا الحبيبة؟ هل لم تعد مصر تعنيهم ولا تشغلهم؟ ولا يهتمون بما يشغلها من أخطار؟ أم ماذا جري بالضبط؟ لأسئلتي سبب مشروع. أن الكلام قيل ونحن علي مشارف انعقاد البرلمان بعد انتخاباته التي شهد الجميع بنزاهتها وعدم تدخل الدولة فيها. وبالتالي فإن هناك حالة من الاهتمام بالشأن العام تتفوق الأيام العادية. فالبرلمان يعني العمل من أجل أن تضع مصر أقدامها علي أول الطريق الجديد.
كان الرئيس السيسي قد تحدث عن 25 يناير وقال إن المصريين لو كانوا يرغبون في أن يترك الحكم سيتركه. لكنه لن يخضع لابتزاز جماعة بعينها. وكان يشير بذلك إلي حرب التخويف وتجارة الخوف الرائجة الآن مما يمكن أن يجري في الخامس والعشرين من يناير القادم.
رأيت أن الرئيس جاء بإرادة شعبية. ويتمتع بتأييد شعبي ربما لم نره منذ زمان جمال عبد الناصر - وهو من هو - وحتي الآن. وأنا ألمس هذا في الشوارع وعلي المقاهي وفي المطاعم والأسواق ومن خلال سائقي التاكسي الذي أستقله في مشاويري. ولا أبالغ أي مبالغة عندما أقول إن هناك حالة من الإجماع الشعبي علي الرئيس السيسي: شخصاً وسلوكاً وأداء ورؤية وجهداً. يحاول من خلاله أن يفعل الممكن وأن يقارب المستحيل.
أما أن يقول إنه سيمشي إذا أراد المصريون منه ذلك. فلنا وقفة مع هذا الكلام. فكيف يريد المصريون هذا من رئيس أنقذهم من ظلام وغياهب وسرقات الإخوان؟ وحتي إن أراد المصريون هذا. فكيف نعرف أن هذه إرادة جموع المصريين وليست رغبة فئة معينة أو جماعة بعينها؟ لأن هناك فارقا بين ما يريده الوطن وما تحاول فرضه مجموعة مهما كانت هذه المجموعة.
طبعاً أنا ضد أن تعبر الغالبية العظمي من الشعب المصري عن موقفها تجاه هذه القلة. لأن هذا منزلق قد يخوضنا إلي ما يمكن أن يؤدي لحرب أهلية لا قدر الله ولا كان. ثم إن الرئيس لم يكمل عامه الثاني. من أربع سنوات هي مدة ولايته. ممكن أن يكون قد أنجز. ومن الممكن أيضاً قد حدث تقصير هنا أو هناك. فهو بشر. والبشر كما يصيبون فمن حقهم أن يخطئوا.
أعرف حجم الحرب النفسية التي تدار ضد مصر من عواصم خارجية كثيرة. وأعرف حجم المشاكل الداخلية التي تحاول الحكومة الاقتراب منها وحلها. وأدرك أيضاً أنها لم توفق في حل كثير من المشاكل. لكني أعتقد أن الوضع العام في مصر الآن يستحق أن نعطيه فرصة أخري لكي ينجز ما لم ينجزه. ويتمم ما لم يقم به حتي الآن.
عدونا هو اليأس المتحرك الذي يشيعونه بيننا من خلال حرب الشائعات. ونستجيب له ربما بحسن نية. علينا مقاومته. وأن نعمل بالإيجاب لا بالسلب. وأن نتقدم ولا نقف في أماكننا.