رفضت الولايات المتحدة ـ فيما هو معلوم للكافة ـ أي تدخل عسكري دولي ضد تنظيم داعش في ليبيا.. كما امتنعت من قبل عن التدخل البري ضد داعش في موطنه الأصلي.. شمال العراق وسوريا.. وأعلنت الاكتفاء بالضربات الجوية من خلال تحالف دولي أعد خصيصاً لهذا الغرض.. وهي الضربات التي لم تحقق نتيجة حاسمة حتي الآن.. الأمر الذي يوحي بأن الولايات المتحدة تريد أن تظل الحرب ضد داعش مشتعلة إلي أبعد مدي زمني ممكن.. وأن تظل المنطقة العربية علي صفيح ساخن لا تعرف الهدوء والاستقرار.
وبدلاً من المواجهة الصريحة التي يمكن أن تحسم المعركة.. والتي تمتلك الولايات المتحدة أدواتها ومفاتيحها بلا أدني شك.. لجأت الدولة العظمي إلي طرق عجيبة ذات أهداف مريبة لا تستقيم أبداً مع العقل السليم والتفكير القويم.. لأنها ستكرر نفس الأخطاء التي وقعت من قبل إن كنا نعتبرها أخطاء.. أو بالأصح تكرر نفس المخططات المدمرة التي أخرجت القاعدة وداعش ومن سار علي دربهما.
آخر هذه الطرق العجيبة للمواجهة جاء في بيان أصدره البنتاجون ـ وزارة الدفاع الأمريكية ـ يعلن أن الولايات المتحدة حددت حتي الآن نحو 1200 من مقاتلي المعارضة السورية لمشاركة محتملة في برنامج يقوده الجيش الأمريكي للمساعدة في تدريبهم وتسليحهم لقتال متشددي تنظيم "داعش".
أضاف البيان أن هؤلاء المقاتلين سيخضعون لعملية تدقيق قبل الانضمام للبرنامج الذي من المتوقع أن يبدأ في مارس المقبل في مواقع متعددة خارج سوريا ويشمل تدريب أكثر من 5 آلاف مقاتل سوري سنوياً.
قال مسئول أمريكي إن نحو 3 آلاف مقاتل قد يتم تدريبهم بنهاية عام ..2015 ومن المتوقع أن تجري عملية التدقيق لاختيار المقاتلين باستخدام قواعد بيانات للحكومة الأمريكية.. وأيضاً معلومات مخابرات من شركاء للولايات المتحدة في المنطقة.
وهكذا.. مازالت أمريكا تفكر بنفس الطريقة وتكرر نفس الخطأ.. وإن شئت الحقيقة فقل تكرر نفس المخطط ونفس المؤامرة.. ونحن نتفرج.. منا من يؤيد ومنا من يشارك وهو لا يدرك أن أمريكا بصنيعها هذا تخلق وحشاً جديداً في المنطقة.. ربما لن يمر وقت طويل حتي يتحول إلي داعش جديد وتضطر هي إلي تشكيل تحالف دولي لتحاربه.
يذكرنا التاريخ القريب أن أمريكا أقامت ومولت معسكرات لتدريب وتسليح المجاهدين العرب للمشاركة في الجهاد ضد الغزو السوفيتي لأفغانستان.. وشارك هؤلاء أقرانهم من المجاهدين الأفغان في حروب الجبال.. وكان أسامة بن لادن هو جسر التواصل بين المجاهدين العرب والمخابرات الأمريكية وحلفائها في الشرق الأوسط.. وبعد طرد السوفييت انخرط المجاهدون في حروب ومذابح أهلية من أجل السلطة.. ومن نجا من هذه المذابح تحول إلي إرهابي وصار من العسير عليه أن يعود مواطناً مدنياً عادياً في بلده.. ومن هنا تكون تنظيم القاعدة الذي أصبح عدو أمريكا الأول.
وبنفس الطريقة.. قام الأمريكيين وحلفاؤهم في المنطقة بتشكيل وتمويل وتسليح وتدريب ميليشيات سنية في العراق من جماعات متطرفة وبقايا جيش صدام حسين لإحداث توازن طائفي مع الميليشيات الشيعية المسلحة التي استفحل أمرها في عهد نوري المالكي رئيس الحكومة السابقة الموالية لإيران.. وهذه الميليشيات السنية التي لم يعرف لها رأس هي التي تمددت وتغولت وصارت داعش الذي نعرفه.
واليوم.. تخدعنا أمريكا من جديد لإنتاج داعش جديد يحارب داعش القديم.. وتختلط الأوراق أكثر وأكثر.. وتصبح الأوضاع أكثر تعقيداً وأكثر فوضي.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.