الأخبار
محمد فهمى
إسلام .. ضد إسلام !
فنحن نمر بمرحلة فارقة في تاريخنا الحديث تقتضي دق كل اجراس التحذير من مغبة القضاء علي الروح المعنوية الجماعية لدي شعوب الامة الاسلامية بأسرها

عندما نتأمل تاريخ الحضارات البشرية علي مر العصور كما جاءت في موسوعة "قصة الحضارة" للمؤرخ الامريكي ويل ديورانت.. نكتشف انها تعود في مجملها لعامل اساسي واحد هو "الروح المعنوية الجماعية".. والتوافق الاجتماعي.. وشعور الامة نحو نفسها.. وتصورها الملهم لما يمكن ان يكون عليه مستقبلها.. ومكانتها الفريدة بين شعوب عالمها.
وبالتالي فإن الخطوة الاولي نحو بناء اي حضارة.. تبدأ عندما.. يتم التوافق والتناغم الاجتماعي.. وتشكيل الهيئة التي توحد الصفوف.. وتقرب بين المبدعين في جميع فروع المعرفة.. بالشكل الذي يسمح للامة بالنهوض.. وتشييد المجد.. والارتقاء بانماط الحياة.. ولم تعرف البشرية ان قامت حضارة واحدة في ظل اوضاع التمزق.. والصراعات.. وضعف الهمم وموت العزائم.. ودفع الامم للخمول واليأس.. وبالعيش الدون.. المشحون بكل الوان التمزق والاقتتال والحض علي الكراهية والانتقام.. الذي يصل الي حد اشتباك اصحاب المذاهب المتصارعة في اقتتال ـ دائم وشرس.. يصرفهم عن البناء والابداع وايجاد المناخ المناسب لابتكار كل ما هو جديد وفريد في زمنه وفي مكانه.
وعندما ترتفع الصرخات المدوية التي تدعو لتعميق الخلافات والكراهية.. بين ارباب المذاهب والمعتقدات.. واشاعة ابداء الرغبة في الانتقام.. الي حد الاقتتال وسفك دماء الابرياء.. تتراجع في اللحظة ذاتها طموحات الامم وتخفض الي حد القضاء علي الآخر وعلي كل اسباب لابداع والتحليق في سماء العلم والمعرفة.. وتصبح الغلبة للرغبة في الانتقام والسقوط في مستنقعات العنف والارهاب والهمجية.
وفي الوقت الذي كان احتفالنا بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام، فرصة سانحة لإبداء كل سمات التسامح بين الاجيال القادمة من شباب المسلمين.. خرج علينا الشيخ محمد عبدالرازق رئيس القطاع الديني بوزارة الاوقاف معلنا فتح اماكن اضرحة الامام الحسين والسيدتين زينب ونفيسة امام الصوفية والمواطنين اثناء الاحتفال بمولد النبي عليه الصلاة والسلام.. واغلاقها امام الشيعة ولذلك فقد تم اغلاق ضريح الحسين يوم عاشوراء.. علي اساس ان هذا هو منهج الازهر في "محاربة" الفكر والمد الشيعي.. مشيرا الي انه سيتواجد افراد من الاوقاف بالاضافة الي وجود عدد من كاميرات المراقبة والتصوير.. لرصد تحركات المخالفين.
وقال فضيلة الشيخ محمد عبدالرازق في تصريحات خاصة مفخخة نشرتها الصحف في صدر صفحاتها:
فتحنا ضريح الحسين للصوفية.. وأغلقناه أمام الشيعة!
وهي دعوة.. نري انها.. تسعي لبث بذور العداء بين ملايين الاطفال المسلمين في ربوع العالم.. واشارة لتعميق الخلاف بين الاجيال القادمة.. المنوط بها.. بناء حضارة اسلامية.. توحد امة الاسلام.. ونباهي بها الامم يوم القيامة.. وتنحي شعور المسلمين السلبي.. تجاه انفسهم.. وتعكس المفهوم الخاطيء بان الله سبحانه وتعالي لم يبعث الرسول.. نبيا لكل المسلمين.. وانما هو الرسول لطائفة منهما.. وليس لكل طوائفهم ومذاهبهم.
ومفهوم طبعا اننا لن نستطيع في المستقبل.. بناء حضارة اسلامية.. بروح جاهلية!
والعجيب في الموضوع.. انه عندما اصدر الكاتب الامريكي "مارتين سكرام" سنة ٢٠٠٥ كتابه "اسلام ضد اسلام" لم يخطر بالبال ولو من باب الخيال ان يأتي اليوم الذي نشهد فيه ونحن علي ابواب عام ٢٠١٦.. العديد من الاشارات السلبية.. لانتقال النزاعات داخل العالم الاسلامي من نزاع تشعله عصابات الارهاب.. ابتداء من القاعدة وفي داعش الي نزاعات بين الدول الاسلامية.. وهي نزاعات لن تسفر عن انتصار احد وانما سوف تعرقل مسيرة التقدم ومواكبة الزمن.. وليس خافيا ان احدي القوي العظمي.. تخطط وتمول وتحرض علي اشعال هذه النزاعات من أجل مصالح لا تمت للاسلام بأدني صلة.. ويخطط لها علي وجه التحديد "بنيامين رودس" مستشار الامن القومي للرئيس الامريكي اوباما.. كاتب الخطاب الذي وجههه اوباما للعالم الاسلامي من القاهرة في يونيو سنة ٢٠٠٩ واستقبله حكامنا ايامها بالوقوف والمزاهر علي نمط استقبال سلاطين الدولة العثمانية في الزمن القديم.. وهو الذي نصحه بزيارة مسجد السلطان حسن.. وعدم الصعود لغرفة الملك خوفو.
وكان الهدف في كل الاحوال اندلاع نزاعات داخلية في الدول الاسلامية.. واشتباكات ايديولوجية بين الطوائف والمذاهب المختلفة وبين الجماعات الاسلامية والحكومات وبين المعتدلين والمتطرفين.
والأهم من ذلك كله.. كما يقول مارتين سكرام.
هو ان تتحول التنظيمات الارهابية من استهداف الغرب الي استهداف مصالح الدول الاسلامية.. في محاولة للسيطرة علي السلطة وعرقلة تنفيذ الاصلاح والتطوير في هذه الدول ودفع الشباب لتفجير انفسهم.. ومعهم كل امل للمسلمين بغد افضل ومستقبل مشرق.
وبالتالي.. فنحن نمر بمرحلة فارقة في تاريخنا الحديث تقتضي دق كل اجراس التحذير من مغبة القضاء علي الروح المعنوية الجماعية لدي شعوب الامة الاسلامية بأسرها.. والاطاحة بكل اسباب التوافق بينها.. وصرفها عن التعاون فيما بينها من اجل رفعة شأن امة من بين الامم التي تأخذ بأسباب العلم.. وتصدر لنا جميع الوان الاجهزة والمعدات الحديثة المبتكرة ابتداء من السيارة.. وحتي رغيف الطابونة الذي نقف في طوابير ممتدة للحصول عليه ومعه انابيب البوتاجاز.
لقد كشف احتفالنا بالمولد النبوي.. منذ ايام.. ربما للمرة الاولي بمثل هذا الوضوح.. عن حاجتنا العاجلة لقيام مجموعة من العقلاء بنشر الثقافة الاسلامية التي تلم شمل صفوف المسلمين.. وتسمح بالتعاون الايجابي بين الاشقاء من اجل الارتفاع بالروح المعنوية الجماعية لأمة محمد.. والسير في ركب الامم المتقدمة بالشكل الذي يسمح بقيام حضارة اسلامية حديثة.. يشعر من خلالها اي مسلم في ربوع العالم.. بأنه شريك اساسي في البناء والتعمير.. وليس محرضا علي التخريب والقتل والتدمير.. في الوقت الذي يرقبنا فيه الشيطان.. وهو يرقص طربا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف