أنفقنا 194 مليون دولار لاستيراد قمصان النوم والبيجامات الحريمى خلال عام 2015. كذلك قال جمال نجم نائب محافظ البنك المركزى. الجنيه فى محنة كما تعلمون، والدولار أصبح شحيحاً كما تدركون، والبنك المركزى قام بتخفيض سعر الصعب أمام السهل، حتى يحمى الجنيه، لكن الكثير من المستوردين ومَن لديهم حاجة إلى الدولار يشتكون أنه غير موجود. الاقتصاديون أدرى بالتفاصيل المتعلقة بأزمة الدولار وأوْلى بها، لكننى أريد أن أتوقف أمام مسألة «قمصان النوم».. ذكّرنى هذا التصريح بحوار مارى منيب مع يوسف فخر الدين فى فيلم «حماتى ملاك» وهى تقدم له قميص نوم هدية: «ما هو حاكم الرجالة أمزجة»!. وهو قادر على منحنا مؤشراً على ثلاث آفات تدمغ الشخصية المصرية، بدءًا من المواطن، ونهاية بالحكومة «حماته»!.
أولاها آفة «الاستهلاك».. الكثير من نقود المصريين تذهب إلى كماليات، فنحن ننفق الكثير فى مواضع ليست بالضرورية، فالرغبة فى التفاخر بالأرقام التى يتم هدرها على أشياء ترفيهية هى التى تدفع الكثيرين والكثيرات إلى الوقوع فى فخ الاستهلاك. ولم يعد سلوك «الفشخرة» مقتصراً على الأمور الظاهرية وفقط، مثل المسكن والمأكل والملبس والفسح وخلافه، بل وصل إلى غرف النوم أيضاً. هذه الحالة توجد بنسب متفاوتة فى الطبقات المختلفة، لكن تقديرى أنها تفشت بدرجة أكبر فى الطبقة المتوسطة التى تعيش هذه الأيام امتحاناً اقتصادياً عسيراً، نتيجة الإجراءات الاقتصادية التى تتخذها السلطة، والتى تجد لنفسها عشرات المبررات، وهى تجلد أفراد هذه الطبقة، أهمها أن «الطبقة دى جايبة الكلام لنفسها»!.
الآفة الثانية تتعلق بقاعدة «اللى ييجى م الغرب يسر القلب»، وهى مقولة تتعاكس مع المقولة التى شاعت فى حياة المصريين، خلال عقود طويلة. فكلمة «مستورد» من الكلمات ذات الجرس الدلالى العالى على الأذن المصرية، لأن هناك تشكيكاً مستمراً فيما هو محلى. ويعكس هذا التوجه حالة من حالات انعدام الثقة بالنفس والإحساس بالعجز عن إنتاج شىء ذى قيمة. والمستورد هنا لا يقتصر على «قمصان النوم» وفقط، بل يمتد إلى كل جوانب حياتنا، بما فيها الدواء والكساء والتعليم الأجنبى. ومن عجب أنك تجد أن الجالسين على كراسى السلطة، وكذلك أغلب المتحدثين، أو قُل الصارخين بالكلام عن «الوطنية»، هم أكثر المستهلكين للمستورد، وليس عليك لكى تتأكد من ذلك سوى أن تبحث عن المدارس أو أماكن العلاج أو الأدوية أو حتى بيوت الأزياء التى يشترون منها كساءهم، بما فى ذلك قمصان النوم.
والحديث عن السلطة ينقلنا إلى الآفة الثالثة والتى تختص بالسلطة نفسها، والمتمثلة فى «تعليق الطوق فى رقبة الشعب»، أو بعبارة أخرى إلقاء المسئولية عليه، والاستناد إلى أساليبه فى الحياة كـ«شماعة» لتعليق الفشل الحكومى عليها. فأمام كل مشكلة تجد مسئولاً يخرج لمعايرة الشعب، وهو نوع من الأداء القديم الذى يعود إلى حكومة أحمد نظيف الذى خرج مرة ليعاير الشعب بالتزاحم على «السوبر ماركتات»، والتكييفات التى تنتشر فى البيوت. كبار البنك المركزى، هم الآخرون لا يجدون مندوحة فى معايرة الشعب بـ«قمصان النوم»، فى مدار الحديث عن أزمة الدولار. الكلام ظاهره صواب، لكنه يخفى فى باطنه حكومة تريد أن تظهر نفسها فى صورة الملاك، حكومة تريد أن تقول: «المواطن مسرف.. والحكومة ملاك»!.