الأهرام
محمد حسين
«القلب ياما انتظر»!
كان الأجدر بهم أن يلتزموا الصمت، وأن يغلقوا أفواههم الواسعة الشرهة تماما، عن القذف والسب والتهديد والتحقير والتقزيم للآخرين والمختلفين والأعداء المحتملين. كان عليهم أن يتحلوا بقدر من الذكاء، يسمح لهم بأن يدركوا حقيقة وطبيعة مرحلة سياسية، أذنت لهم بالبقاء والعمل وتصدر المشهد، فلا يحملونها أكثر من طاقتها بفضائحهم وصغاراتهم وصراعاتهم الشخصية، والنتيجة تبديد ما يتم ضخه بصعوبة، من رصيد ثقة، فى جسد مجتمع يعانى تآكل رأسماله الاجتماعي.

كان يجب على بعض السياسيين والإعلاميين الذين يتصدرون الآن المشهد العام، ويثيرون حالة صخب تفقد المجتمع تركيزه، وتصرف الاهتمام عن القضايا الضرورية، بالإضافة إلى «تسميم» الحياة بالفضائح والثأرات والدناءات، كان يجب على هؤلاء أن يحمدوا الله كثيرا، على أنهم مازالوا يحتفظون برءوسهم فوق أكتافهم، ومازالوا يجلسون فوق ثرواتهم، ويمارسون حقوقهم كاملة، كما كان يجب عليهم أيضا، أن يمتنوا لهذا الشعب «الطيب»، الذى سمح لهم بالعودة مرة أخري، دون حساب حقيقي، باعتبارهم من «مخلفات» مشروع الفساد، الذى كاد يدمر مصر.

كما قلت فى البداية: كان الأجدر بهؤلاء الإعلاميين والسياسيين، أن يضبطوا «شهياتهم» النهمة، عن التهام المقاعد والمناصب والأضواء، حتى لا تنسد رئة المجتمع، ويصاب باختناق حاد.

هؤلاء جديرون بنوع خاص من الصمت، مثل صمت «محجوب عبدالدايم» فى فيلم « القاهرة 30»، رائعة المخرج الراحل «صلاح أبو سيف»، عن رواية نجيب محفوظ «القاهرة الجديدة»، ففى مشهد عبقري، بعد أن انفرد «محجوب» بزوجته «إحسان شحاتة»، ساد صمت ثقيل بينهما، وفى الخلفية كان صوت محمد عبدالوهاب، يشدو بأغنيته «القلب ياما انتظر»، ليأتى المشهد معبرا عن حالة الخزي، التى كان يشعر بها كل منهما، وبالتالى كان الصمت هو الأفضل.

كثيرون لا يعرفون أن رواية «القاهرة الجديدة»، عندما صدرت فى طبعتها الأولي، كانت تحمل اسم «فضيحة فى القاهرة»، ثم استبدله الأستاذ نجيب محفوظ فى الطبعة التالية باسم «القاهرة الجديدة»، ومن المفارقة أننا اليوم نحتاج، أن نستبدل قاهرة جديدة، بقاهرة الفضائح الرخيصة والوجوه القبيحة.

> فى الختام.. يقول نجيب محفوظ فى «الحرافيش»: «الأشرار معلمون قساة، لكن صادقون».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف