المساء
مؤمن الهباء
شهادة خطوة ساداتية موفقة
لا يمكن لبلد فيه 106 أو 110 أحزاب أن تكون فيه حياة سياسية صحيحة.. أو ديمقراطية حقيقية.. كثرة الأحزاب بهذا الشكل ليست علامة قوة.. لكنها كثرة كغثاء السيل لا فائدة منها.. بل هي كثرة ضارة مدمرة.. وربما تكون أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل البعض مقتنعاً بأننا لانزال في مرحلة التجريب.. المرحلة الانتقالية التي طالت أكثر من اللازم في سعينا نحو بناء حياة ديمقراطية سليمة.
لذلك.. فإننا يجب أن نحتفي بأي تحرك في الاتجاه الصحيح كتلك الخطوة التي أعلنها الأخ محمد أنور عصمت السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية الذي نقلت عنه "الجمهورية" الثلاثاء الماضي استعداده لاندماج حزبه مع حزب كبير مع بعض الأحزاب.. وأنه سوف يدعو إلي جمعية عمومية بحزب الإصلاح والتنمية بعد بداية عمل البرلمان واتخاذ قرار إما بالاندماج مع الأحزاب الأخري في نفس توجهه مثل حزب الوفد القريب منه.. أو حل الحزب.
هذه رؤية ثاقبة وخطوة موفقة لمعالجة الفوضي الحزبية التي تعاني منها مصر منذ ثورة 25 يناير.. حيث فهم البعض بعد الثورة أن حرية تشكيل الأحزاب بمجرد الإخطار تعني حرية فتح الدكاكين السياسية لكل من هب ودب.. ونتج عن ذلك أن تكاثرت الأحزاب الديكورية التي لا طعم لها ولا لون ولا رائحة.. أحزاب تتكسب من السياسة ولا تعمل بالسياسة.. لأنها لا تعرفها.. السياسة نضال وليست وظيفة ولا حرفة لكسب الرزق.. نضال من أجل الأهداف السامية: العيش.. الحرية.. العدالة الاجتماعية.. الكرامة الإنسانية.
وكنا قبل الثورة نعرف الأحزاب الكرتونية.. التي شكلها نظام مبارك لتكون ظهيراً له في خندق المعارضة.. فكانت الطابور الخامس الذي يعمل لصالح النظام.. وكان حريصاً علي الحزب الوطني أكثر من حرص الحزب الوطني علي نفسه.. فلما جاءت الثورة زادت هذه الظاهرة السلبية عن حدها فانقلبت إلي ضدها.. وصارت عبئاً علي النظام.. وعبئاً علي الديمقراطية والعمل السياسي ككل.. فقد تعامل الناس مع الأحزاب بعدم اكتراث وعدم جدية.. ومازالوا يعتبرون الأحزاب نوعاً من الوجاهة ليس أكثر.. خصوصاً أن هناك أحزاباً لا نتعرف اسمها ولا قادتها.. ناهيك عن أن نعرف شيئاً من مبادئها وتوجهاتها.
ومن مصلحة مصر.. ومن متطلبات الديمقراطية.. أن تتعدد المبادئ والتوجهات.. وأن تصبح المنافسة حقيقية لصالح الوطن بين أحزاب قوية تعكس مناخ التعددية وتنقلنا إلي مرحلة تداول السلطة.
ولكي يحدث ذلك.. لابد من خطوات كثيرة جادة لاندماج بعض الأحزاب المتماثلة في المبادئ والتوجهات.. وإلغاء بعض الأحزاب التي ليس لها أعضاء وليس لها وجود علي الخريطة السياسية.. وأن يتم ذلك بمبادرات شخصية سياسية من ذلك النوع الذي بدأ به الأخ محمد أنور السادات دون تدخل من السلطة التنفيذية.. إذا حدث ذلك فسوف يعني أننا بدأنا مشوار الألف ميل.. مشوار الوعي بأزمتنا وتشخيصها تشخيصاً صحيحاً.. ثم الاتجاه مباشرة إلي العلاج المناسب.
والمطلوب من السلطة التنفيذية في هذه الحالة أن تساعد وتشجع وتهيء المناخ.. وتتعامل مع القضية بإدراك وشفافية.. ليس بحثاً عن مؤيدين ومدعمين في البرلمان.. وإنما بحث عن كيانات سياسية قوية يمكن الاعتماد عليها لبناء ديمقراطية صحيحة.. كيانات سياسية قادرة علي تقديم شخصيات قيادية مدربة علي السير بالبلاد في الاتجاه الصحيح.
وعندما يحدث ذلك سوف يكون عندنا ثلاثة أو خمسة أو عشرة أحزاب تعبر عن التنوع الحقيقي الموجود في المجتمع فيها اليساري واليميني والاشتراكي والناصري والليبرالي والإسلامي والقبطي.. ويكون شعارها الوطن للجميع.. في ظل السلام الاجتماعي ونبذ العنف.. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
دعونا نحلم..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف