يصعب على جيلى ان ينسى كيف كان المواطن البسيط فى مصر وكل انحاء الوطن العربى ، يذهب الى بائع الاجهزة الكهربائية، فى ستينات القرن الماضي، ويطلب منه «راديو بيجيب صوت العرب!» بينما نحن الان نشعر بالخجل مما يدور على الساحة الاعلامية، حيث تردت لغة الخطاب ونصب العديد من «نجوم» التوك شو ، انفسهم ، اوصياء على الشعب مع الاستهانة به بصورة لم يسبق لها مثيل..
لم يكن حريا بهذا الاعلام مثلا، فضح مخططات الدول التى تسعى بضراوة، لتقويض الدولة المصرية والقاء الضوء على مايتسرب، عن هذه المخططات وواضعيها ومنفذيها، فى واحدة من اصعب مراحل تاريخنا؟..الم يكن واجبا مراعاة هموم المواطن القلق على بلده مما يحاك لها؟ وألم يكن على الاعلام بث الامل بالقاء الضوء على ماتم ومايجرى العمل فيه، من انجازات رغم جبل الأصعاب والتحديات؟؟ وهل فكر برنامج اعلامى فى تكريس ولو دقائق، لسيرة شهيد سقط دفاعا عنا جميعا؟ وكيف لم يتناول اى برنامج ، تقريبا، تأكيد على أهمية اقامة صناعات مصرية او على تنظيم النسل الذى يلتهم انفجاره كل موارد الدولة؟!
ان اهم رسالة للاعلام، تكمن فى تبصير المواطنين، بأمانة حقيقية، بما يجرى فى الوطن والاقليم، بل والعالم الذى بات العديد من قادته يتحدثون عن مصائرنا فى غيبة كاملةعن وجودنا اصلا، ويعدون المسرح لحروب دينية وطائفية، لن تبقى ولن تذر، وهو مايفسر الى حد بعيد، حملة التشويه التى يتعرض لها الرئيس عبدالفتاح السيسى، لكونه يحذر من هذا المصير المظلم ويواصل فتح نوافذ مصر المغلقة منذ عقود، على العالم، ايمانا منه بضرورة استعادة مكانها ومكانتها ..
ومما لاشك فيه، ان الاعلام انعكاس لما وصل اليه حال الوطن .. وهو لايختلف، باستثناءات قليلة، عما تقدمه الافلام والمسلسلات التليفزيونية، والتى تعمل على تسويق صورة سلبية لمصر، اما مازاد وعاد، ودق ناقوس الخطر، فهو استغلال بعض الاعلاميين للشاشات، لتصفية حسابات، شخصية مرة بالتشهير واخرى بالابتزاز، وثالثة بالتهديد «بإفشاء»؟ إما خيانة او عمالة او فضائح جنسية، وكأنهم عثروا على «كنز» جديد، بعد برامج الجن والعفاريت.. والسؤال هنا:، لماذا لم تتحرك الاجهزة المعنية فى الدولة،وتعتبر من يدعى ان لديه ادلة الادانة، متواطئا مع الفاعل، او على الاقل، متسترا،. على جرائم بحق الوطن او ضد القيم والمباديء العامة؟.. فمثل هذه الامور لايحق ولايجوز، السكوت عليها بمجرد الصلح بين طرفى الفضيحة، وكأنها مسألة شخصية، اذن اين حق المجتمع؟..وكيف يطلب من المواطن البسيط، ناهيك عن الاطفال، احترام القانون والتمسك بالقيم والمباديء، الوطنية والمجتمعية، فى ظل هذه المشاهد المنفلتة، والبذيئة احيانا، والتى وصلت الى حد اغتيال الخصوصية وليس فقط عدم احترامها طبقا للدستور
حيث اننى قضيت اكثر من ربع قرن فى العمل الاعلامى بإذاعة، مونت كارلو، الفرنسية، فأننى لم المس، هنا، الا فيما ندر، الالتزام بقواعد هذه المهنة والتى تتلخص فى عبارة واحدة، هى «اعلام المتلقى » قارئا او مستمعا او مشاهدا، بأمانة تامة، دونما الرضوخ، لاهواء شخصية، اولسطوة اى جهة كانت، بيدها مختلف وسائل، الاغواء او الايذاء.. فكلنا نعرف مدى براعة الغرب ومعه اسرائيل، فى صك مصطلحات، نستخدمها «باستسلام !» يدعو الى الحسرة.. منها على سبيل المثال لا الحصر، وصف المقاومة، خاصة الفلسطينية بـ«الارهاب»، واترك هنا للمستمع، الحكم على ادعاءات اسرائيل، دون اى تدخل من جانبي..كما وقعنا.
من جهة اخري،فى اخبث فخ ممكن، عندما تم فرض مصطلحات تصف التنظيمات والحركات الارهابية، بالاسلام، والجهاد، الخ.. فهل يعقل ان نطالب المتلقى بادانة جرائم داعش او القاعدة او النصرة وماشابهه ونحن نسبق، مرتكبى ابشع الجرائم واكثرها وحشية، بوصف «الاسلاميين» او «الجهاديين»؟ وهو ما أساء الى الاسلام والى المجاهدين الحقيقيين، عبر تاريخنا الحافل بالبطولات، أكبر اساءة .. نحتاج الى وقفة جادة والى اعادة الاعتبار، وبأسرع مايمكن الى إعلامنا، المرئى والمسموع والمقروء.