تطوى 2015 الصفحة وترحل تاركة وراءها الكثير من الملفات والقضايا المفتوحة على المستوى الداخلى والاقليمى والدولى ولو كان تاريخ بداية عام جديد يستحق الاحتفال فان حالة التوجس مما تخفيه الأيام القادمة بشأن مستقبل الشرق الأوسط تحديدا تظل هماً خاصاً وعاماً..
المستوى الداخلى: تخطو الحياة السياسية خطوة فارقة ببدء أعمال مجلس النواب وعودة الحياة البرلمانية لتحتل مساحة فى النقاش العام فى ظل توقعات متباينة حول اداء النواب الجدد، فهناك من يرى غياب حزب الأغلبية وعدم اتفاق الأحزاب على أجندة مشتركة تحت القبة ووجود غالبية من المستقلين هى بداية غائمة للمجلس التشريعى فى توقيت تحتاج الأمة الى استجماع قواها وتوطيد دعائم الحياة السياسية بحالة من الرشد المفقود على الساحة بعد أن ظهرت توجهات مقلقة فى وسائل الاعلام وانحسار قضايا الشأن العام فى مشاحنات فارغة المضمون لا تقدم ولا تؤخر. وهناك من يرى كثير من الايجابيات فى التجربة البرلمانية المرتقبة ويرصدون مؤشرات جيدة منها ارتفاع نسب تمثيل الشباب والمرأة بصورة غير مسبوقة فى الحياة البرلمانية ويعتبرون أن حالة التفتت فى الكتل الفائزة وأغلبية المستقلين فرصة لبرلمان أكثر حيوية. الرأى الأول يحمل وجاهة فى الطرح فى ظل ضعف فى التكوين الداخلى ولكنه يتناسى أن البرلمانات هى ملعب خصب لعقد الصفقات ونضوج التجارب حتى لو كانت القضايا المطروحة يصعب التوافق حولها. غاية نواب الشعب هى صياغة تشريعات ملائمة لطموحات أبناء دوائرهم ولو حدث ووضع البعض العصا فى العجلة فسيكون رد الفعل الشعبى غير موات لمصالح النواب ومستقبلهم السياسى ولو بالغ البعض فى المواقف المعطلة سيدفع الأمر الى بناء تكتلات غير متوقعة تدفع القوانين المقترحة الى الأمام وليس العكس. والسيناريو الأفضل هنا أن يكون برنامج الحكومة واقعيا وأن يتجنب أخطاء الماضى مما يسمح للنواب بدفع قاطرة التنمية والتحديث. حيوية البرلمان وقدرته على المساهمة مع السلطات الأخرى فى ادارة الدولة سيكون له مردود هائل داخليا وخارجيا أيضا.
المستوى الاقليمي: فى ظل عدم حسم مواقف قوى عديدة من التنظيمات المسلحة المتطرفة فى بلدان غارقة فى الحروب الداخلية لن تكون عام 2016، فى الغالب، حاسمة فى انهاء الصراع فى سوريا وليبيا واليمن وربما يتكبد تنظيم «داعش» خسائر كبيرة ويفقد مزيدا من الأرض التى استولى عليها فى ظل انهيار السلطة المركزية فى سوريا لكن عدم وضوح ما تريده بعض الحكومات فى الشرق الأوسط ومحاولة تثبيت الأوضاع على الأرض لمصلحة قوى متشددة قبل التفاوض على مستقبل المصالحات ربما يمنح التنظيم فرصاً لجمع قواه ومحاولة خوض جولات قتال جديدة تستغل الفجوة فى المواقف بين الولايات المتحدة وروسيا والأخيرة تملك اصرارا كبيرا على مواصلة حملة اقتلاع التنظيم فى سوريا رغم وجود مؤشرات على أن هناك عواصم تريد اطالة أمد الصراع حتى لا تكون هزيمة داعش بداية لترتيبات اقليمية لا تروق لها.
كما ينتظر أن تحتل منطقة شرق البحر المتوسط اهتماما ملحوظا بعد كشوفات الغاز الطبيعى التى كان لمصر منها نصيب الأسد، ونترقب مزيدا من الكشوفات الضخمة التى تهدد أحلام دول تنفق على الفوضى الاقليمية أموالا وفيرة من أجل بناء شبكات لتصدير الغاز لمناطق جغرافية بعيدة عن متناولها من خلال خلق دويلات تدين لها بالولاء خاصة فى بلد مثل سوريا. الحذر مطلوب من جانب السياسة المصرية لأن العيون مفتوحة على فرص الغاز المصرى وتحقيق مصر للاكتفاء الذاتى وتوفير فائض كبير للصناعة المحلية وهو ما سوف يربك حسابات كثيرة ترى الوضع الداخلى بعدسة مختلفة.
المستوى الدولي: يتصاعد الاهتمام بالانتخابات الأمريكية حتى نصل الى الذروة فى نوفمبر المقبل فى ظل حالة ضبابية حول المرشحين الأوفر حظاً لبلوغ المنافسة النهائية بين مرشحى الديمقراطيين والجمهوريين وان كانت هيلارى كلينتون هى الأوفر حظا فى صفوف الحزب الديمقراطى الا أن صعود المرشح دونالد ترامب فى المعسكر الجمهورى يفتح المجال أمام تكهنات كثيرة حول مزاج الناخب الأمريكي. فى جميع الأحوال سيكون الرئيس الأمريكى باراك أوباما أمام خيارات قليلة لاصدار قرارات حاسمة مع اقتراب نهاية ولايته خاصة فى النصف الثانى من العام، مما يعنى مراوغة أمريكية فى كثير من ملفات الشرق الأوسط المفتوحة على مصارعها انتظارا لوصول رئيس جديد بفريق جديد للبيت الأبيض وهو ما يرجح استمرار مناخ من عدم اليقين فى المنطقة لا يخدم سوى جماعات الفوضى وداعميهم.