نشوى الحوفى
سيادة المحافظ: «ما تنفعلش أوى»!
دعونى أقصّ عليكم تلك القصة التى رواها لى محافظ الدقهلية حسام الدين إمام أثناء وجودى بجامعة المنصورة لإلقاء محاضرة منذ عدة أسابيع. قال لى بالنص: «لفت انتباهى قطعة أرض كبيرة مليئة بأكوام القمامة المختلطة بمياه الصرف الصحى، فاصطحبت بعض الموظفين بالمحافظة وذهبت لها، لأكتشف كارثة مفادها أن تلك الأرض بها أساسات مستشفى تم بناؤه عام 2000 بتكلفة 5 ملايين جنيه تحمّلتها الدولة ثم توقف المشروع منذ خمسة عشر عاماً ليبقى مرتعاً للقمامة وبقايا الصرف الصحى وضاعت الأموال على الدولة. اتعصبت واتنرفزت متسائلاً عن كيفية حدوث ذلك الإهمال، واتهمت المسئولين عن ذلك بإهدار المال العام. وفى عز الموقف مال علىّ أحد الموظفين هامساً لى بالقول: «سيادة المحافظ ما تنفعلش أوى، أنت خامس محافظ يأتى لهذا المكان وينفعل بنفس الطريقة ولا يستطيع فعل أى شىء». نظرت له غير مصدق، ولكى أثبت له أننى غير من سبقونى سارعت بالاتصال برئيس الوزراء ووزير الإسكان وانزعج كلاهما من القصة ووعدانى بسرعة حلها. فرحت، ولكن لم يحدث شىء، وكلما التقيت أحدهما ذكّرته بالقصة دون جدوى. وهكذا صدّقت مقولة الموظف معى وأصبحت فى القائمة المحافظ رقم 6 الذى لم يستطع حل قضية إهدار خمسة ملايين جنيه دون عائد».
نظرت يومها للمحافظ الذى حكى قصته تلك فى إطار عجز المحافظين عن العمل فى ظل منظومة القوانين التى تجعل من المحافظ مجرد وسيط بين مديريات كل وزارة داخل المحافظة ليظل القرار فى يد الوزراء لا المحافظين حتى لو تم إهدار 600 مليار جنيه منذ عام 2000 لا خمسة ملايين فقط.
نظرت للسيد المحافظ بهدوء وحوله شخصيات فاضلة من المنصورة بمن فيهم رئيس جامعة المنصورة الدكتور محمد القناوى، وأجبت المحافظ بأن الحل يكمن فى تقديمهم جميعاً، كمحافظين، استقالاتهم المسبّبة بأنهم عاجزون عن إدارة المحافظات فى ظل قانون لا يتيح ولا يسمح لهم بالعمل الذى يحقق رؤية الدولة ويجثم على أنفاس مصر بشكل بيروقراطى مميت. انزعج الجميع ونظروا لى مصدومين وقالت إحدى الحاضرات إن ما أقوله لا يتفق وسياسة التهدئة وحل الأمور والصبر على المشكلات. فأجبتها: بل العكس هو الصحيح، لأن المواطن يشعر بتدنى مستوى الخدمة أو عدم أداء المحافظ لها وعدم حله للمشكلات القائمة، فيظن فى المحافظ تقاعساً واستمراراً لفساد فيُحمّل الرئيس فشل المحافظين والمسئولين ويزداد الحنق على الدولة وأدائها، وتستمر الشكوى.
وأضفت أن من قلب الأزمة تأتى الفرصة، بمعنى إذا كانت أزمة مصر الحقيقية تتمثل فى بيروقراطية سلسلت سبل التطوير فيها، فعلينا بكسر الروتين والمركزية ببعض القوانين المرنة. بمعنى عقد لقاء بين المحافظين والوزراء فى شهر أبريل من كل عام وطرح احتياجات كل محافظة فى كافة الخدمات والمرافق ليضعها السادة الوزراء فى إطار رؤية الدولة العامة وتسهيل توزيع الموازنة قبل إقرارها وبدء تطبيقها فى الأول من يوليو كل عام. ويصبح المحافظ مسئولاً عن تنفيذ المشروعات التى هى جزء من سياسة الدولة بتوقيت ملزم له ولإدارته وفق ميزانية محددة، وهو ما يسهّل نشر ثقافة التنمية فى كل محافظات مصر وقبلها عملية تقييم المحافظين فى أدائهم لعملهم فى نهاية السنة المالية التالية وفقاً لحجم الإنجاز لا وفقاً لهوى العامة وشعورهم بالرضا أو السخط على المحافظ. كما يسهّل، يا سادة، ضبط مصادر الفساد التى أضاعت على بلادى 600 مليار جنيه على مدى خمسة عشر عاماً بما يعادل ثلاثة أضعاف الناتج المحلى القومى لمصر.
ولذا لا يعنينى رضا الناس أو أن يكون المحافظ خادماً أو قائداً لهم، ما يعنينى هو حجم الإنجاز الذى يرسم وجه بلادى التى أتمناها فى كافة القطاعات وبما فيها تطوير المواطن نفسه.