الوفد
محمود الشربينى
نواب «الكِبَدْ» و«الكلاوى»!
قبل أن تقرأ: أتخيلكم فرداً فرداً وأنتم تنصتون إلى أخبار هذه الماڤيا!.. أتأمل وجوهكم، من على بعد آلاف الأميال.. زفراتكم الصادرة من الأعماق.. تأففكم وتأوهكم وشعوركم بالقرف والرغبة فى «التقيؤ» (أعتذر منكم جميعاً).. مصمصة الشفاة، والخبط على صدوركم، وضرب أيديكم كفاً بكف.. مشفوعةً بجملة من قلب الغضب.. أظنكم لا تملكون غيرها: حسبنا الله!
منذ أن فتح «توفيق عبدالحى» باب هذه الإمبراطورية العالمية التى لا تغيب عنها الشمس، مدعوماً برعاية غير مباشرة من نظام «السادات»، وكل يوم تشرع نافذة جديدة، ويبنى جدار شاهق فى هذه الإمبراطورية الممتدة على طول حدود دول الفقر والجوع والقهر الغذائى.. المسماة كذباً بـ «النامية» (النايمة لا فرق!).
تذكروا ما الذي حدث فى مصر منذ أن أطعم «توفيق عبدالحى» المصريين النسور الجارحة واللحوم الفاسدة؟.. لم يحدث شيء سوى تنامى هذه الإمبراطورية، حتى وصلت إلى ما لا يحمد عقباه اليوم!.. وصلت إلى «الجزارين»!، وكنا نحسبهم يمدون جشعهم فقط إلى جيوب المستهلكين، عن طريق الغش فى الموازين ورفع أسعار اللحوم دون سبب أو وازع من ضمير! لا.. لقد تجاوزوا ذلك، فمن أمن العقوبة أساء الأدب كما يقولون، لقد انضم جزارون إلى «ذابحينا» من المستوردين وأباطرة تجارة اللحوم الفاسدة، وتحولوا إلى إطعام الناس «لحوم الحمير»! وأتحدي لو أن هناك مصرياً واحداً، وهو ذاهب إلى محال القصابين، أو إلى أحد المطاعم، أو التفكير فى الـ «ديلفرى»، لم يتوقف ليتساءل والحيرة تنهشه: هل هذه فكرة سديدة؟.. هل هذا طعام حلال أم فاسد؟.. والسؤال الأصعب الذى يطارد الجميع وما العمل؟.. هل سنتوقف عن الأكل؟.. وهل التأكد من «سلامته» مسئوليتنا أم مسئولية الدولة؟
لقد تجاوز «ذابحونا» المدى، ولم يعد يردعهم أحد، واستباحونا، والمؤسف أن نفراً من المصريين البسطاء ساعدوا هؤلاء ومنحوهم شرفاً لا يستحقونه، وأماناً لا ما كان ينبغى على أمثالهم أن يحصلوا عليه.. وهو الحصانة البرلمانية!
كثيرون استبعدوا من الترشح لانتخابات مجلس النواب لأسباب أقل أهمية من تمتعهم بالسمعة التى لا تشوبها شائبة.. فالشروط والضوابط التى أتحفونا بها لم تمنع ماڤيا اللحوم الفاسدة، مستوردين وجزارين وغيرهم، من الترشح ومن الانتخاب والفوز بالعضويه، وليس هؤلاء وحسب بل إن أحد أباطرة المخدرات استطاع التسلل إلى البرلمان، بسبب عدم وجود أحكام قضائية نهائية ضده، رغم أن تحريات الإدارة العامة لمكافحة المخدرات تضعه فى خانة «نواب الكيف»!
انفجرت عناقيد الغضب، على إثر اكتشاف فريق تفتيش محترم، يضم طبيبة بيطرية «مقاتلة»، ثلاجة مملوءة بنصف طن من اللحوم الفاسدة يملكها «برلمانى» سابق يدعى س. ص. ع!، هكذا نشرت الصحف اسمه وحفظت لمثله حقوقه خوفاً من التقاضى، لأن المسألة فى مصر لا تحتاج سوي «نفرٍ» من المحامين «الغاليين» أتعاباً فقط.. معدومي الضمير، ممن يجيدون إطلاق المجرمين من محبسهم، باستخدام ألاعيب كثيرة، وإيجاد ثغرات عديدة فى القوانين ليفلتوا من العقوبة، بعدها يعود المجرمون لممارسة آياتهم الشيطانية من جديد دون رقيب أو حسيب!، وفى رأيى أن أمر الإفلات من العقوبة يبدأ بإطلاق السراح بكفالة أياً كانت 20 أو 50 ألفاً.. فهى كفالة للإفلات من العقاب، لأن هؤلاء لهم طرقهم وأساليبهم ونفوذهم وشبكاتهم علاقاتهم، التى تتشعب وتنمو فى ظلال الحصانة ومصاهرة «كريمة» الفساد الاجتماعى!
الصحف التى نشرت الفضيحة لم تجرؤ على القول إن هذا البرلمانى نجح مجدداً فى الانتخابات، وأصبح عضواً بمجلس النواب الحالى! اكتفوا بذكر أنه نائب سابق! نجح فى برلمان 2010، ولكنه عاد بـ «كلاويه» و«لحومه» الفاسدة لينهش أكباد وقلوب الناس ويتمتع بالحصانة!
أبناء قري نكبت بهذا البرلمانى، وحاولوا التصدى لأمواله ورشاويه من اللحوم الفاسدة التى أغرق بها دائرته، لم يملكوا إلا السخرية منه لأنه لا يزال يتخلص من «الكلاوي الفاسدة» التى تفيض بها ثلاجاته العامرة بتوزيعها على الفقراء الذين لا يتوقفون - بمعدتهم - عند هذه الأمور!
فى الحقيقة أن هنالك وجهاً آخر مشيناً فى هذا القصة، فتقاليد الأجهزة الأمنية تسمح لها بأن تطال وتعاقب بعض الناس من ذوى الآراء المعارضة (أو الهدامة إن شئتم)، حيث يقبض عليهم ويسجنون لمدد طويلة، كإسراء الطويل وأحمد محمود مثلاً!، فالأولى قضت أكثر من ٥٧٠ يوماً فى السجن من دون محاكمة، وهو أمر مشين حقاً، ثم أطلق سراحها بعد أن استنزفت سمعة الدولة وأصبحت قضية دولية!، والثانى هو أحمد محمود الذي يوشك أن يصبح هو الآخر قضية مماثلة، برصيد يربو على ٧٠٠ يوم فى السجن بسبب آرائه المعارضة!
بعد أن قرأتم: نائب الكلاوى والبلاوى لم يبق فى الحبس الاحتياطى سوى ساعات قلائل، لعله خلالها تمتع بحقوق الوجهاء والنواب.. ثم أطلق سراحه بكفالة، وسجلت قضية، أما المعارضون الذين يمكن مواجهة آرائهم فكراً بفكر ورأياً برأي، فإنهم يبقون فى السجون، يخصمون من سمعة الدولة كدولة تحترم حقوق الإنسان؟
أيها السادة: نواب «الكلاوى» و«البلاوى» واللحوم الفاسدة، أشد خطراً على الدولة من المعارضة، ولابد من تشديد القبضة الأمنية عليهم وملاحقتهم بلا هوادة، فهؤلاء هم الذين يستحقون إجراءاتكم الاستثنائية، لا هؤلاء المعارضين!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف