الأهرام
محمد رضا عوض
شخصيات إسلامية : أبو حنيفة النعمان
الإمام الأعظم، عالم الأمة، إمام الأئمة الفقهاء، وأول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنفى فى الفقه الإسلامي. وُلد بالكوفة سنة 80 من الهجرة النبوية، الموافقة لسنة 699 من الميلاد، على رواية الأكثرين التى يكاد يجمع عليها المؤرخون، ونشأ فيها،,وحفظ القرآن الكريم فى صغره،. وحين بلغ السادسة عشرة من عمره خرج به أبوه لأداء فريضة الحج وزيارة النبى صلى الله عليه وسلم ومسجده.
ثم اشتغل بالتجاره فأبوه وجده كانا تاجرين، ولما كانت الكوفة غنية بالعلم والعلماء ، ينتشر فيها العلماء أصحاب المذاهب والديانات المختلفة، انصرف بعد ذلك إلى طلب العلم ، فصار يحضر حلقاتهم، واتجه إلى دراسة الفقه، ولزم شيخه حماد بن أبى سليمان يتعلم منه الفقه ولازمه ثمانى عشرة سنة حتى مات حماد سنة 120هـ، فتولى أبو حنيفة رئاسة حلقة شيخه حماد بمسجد الكوفة، وهو فى سن الأربعين. أخذ يدارس الإمام أبو حنيفة تلاميذه ما يُعرض له من فتاوي، وابتكر نموذجًا منهجيًّا فى تقرير مسائل الاجتهاد، وذلك عن طريق عرض المسألة على تلاميذ العلماء فى حلقة الدرس ليدلى كلٌّ برايه، ثم يعقِّب هو على آرائهم ، ويؤيده بما عنده من أدلةٍ. فإذا تقررت مسألة من مسائل الفقه على تلك الطريقة، كان من الصعب نقدها’ حتى وَضع تلك الطريقةَ الفقهيةَ التى اشتُق منها المذهب الحنفي. يُسمى المذهبُ الحنفى مذهبَ أهل الرأي، وهو أقدم المذاهب الأربعة، ولقد بلغ عدد شيوخ أبى حنيفة أربعة آلاف شيخ، فيهم سبعة من الصحابة، وثلاثة وتسعون من التابعين، والباقى من أتباعهم، ، فقد عاش رحمه الله تعالى سبعين سنة، وحج خمسًا وخمسين مرة. ، وقد نشأ المذهب الحنفى بالكوفة موطن الإمام أبى حنيفة، ثم شاع من بعد ذلك وانتشر فى أكثر البقاع الإسلامية.

كان الإمام أبو حنيفة حسن الهيئة كثير التعطر، طويلَ اللحية، وقوراً، يتأنق فى ثوبه وعمامته ونعليه، حسنَ المنطق، حلوَ النغمة فصيحاً. وهناك خلاف فى تحديد انتماءه العرقي، حيث توجد روايات متعددة، منها أنه من أصل فارسي، وصحه القول أنه من أصل نبطى بابلي، عراقى قديم، وهو ما أثبتته عدد من الدراسات الأكاديمية التاريخية .

ويُعد أبو حنيفة من التابعين، فقد لقى عدداً من الصحابة منهم أنس بن مالك، وكان معروفاً بالورع وكثرة العبادة والوقار والإخلاص وقوة الشخصية. وكان يعتمد فى فقهه على ستة مصادر هي:القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس، والاستحسان، والعُرف والعادة. واشتهر بعلمه الغزير وأخلاقه الحسنة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: “من أراد أن يتبحَّر فى الفقه فهو عيال على أبى حنيفة”، وقال الإمام أحمد بن حنبل: “إن أبا حنيفة من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد”، وقال الإمام الشافعي: سئل الامام مالك بن أنس: “هل رأيت أبا حنيفة وناظرته؟”، فقال: “نعم، رأيت رجلاً لو نظر إلى هذه السارية وهى من حجارة، فقال إنها من ذهب لقام بحجته”. عاش أبو حنيفة 52 سنة من حياته فى العصر الأموي، و18 سنة فى العصر العباسي، فهو قد أدرك دولتين من دول الإسلام, ولقد وقعت بالإمام أبى حنيفة محنتان، المحنة الأولى فى عصر الدولة الأموية، وسببها أنه وقف مع ثورة الإمام زيد بن علي، ورفض أن يعمل عند والى الكوفة يزيد بن عمر بن هبيرة، فحبسه الوالى وضربه، وانتهت المحنة بهروبه إلى مكة عام 130هـ، وظل مقيماً بها حتى صارت الخلافة للعباسيين، فقدم الكوفة فى زمن الخليفة العباسى أبى جعفر المنصور.

أما المحنة الثانية فكانت فى عصر الدولة العباسية، وسببها أنه وقف مع ثورة الإمام محمد النفس الزكية، وكان يجهر بمخالفة المنصور فى غاياته عندما يستفتيه، وعندما دعاه أبو جعفر المنصور ليتولى القضاء امتنع، فطلب منه أن يكون قاضى القضاة فامتنع، فحبسه إلى أن توفى ببغداد سنة 150هـ/ 767م. ودفن فى مقبرة الخيزران’ يقول ابن كثير: “وصُلِّى عليه ببغداد ست مرات لكثرة الزحام، ولقد قُدِّر عدد من صلوا عليه بخمسين ألفاً، حتى لقد صلى الخليفه أبو جعفر المنصور نفسه على قبره بعد دفنه “.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف