الأهرام
أنور عبد اللطيف
رسالة من «الأهرام» إلى ولى النعم !
تورطت أمس فى لعب دور «أبو العريف» ومو ماكنت دوما انتقده وألوم غيرى على فعله، عندما تلقيت دعوة كريمة من برنامج «مباشر من مصر» للكلام عن عيد مؤسسة الأهرام، فذهبت الى الاستوديو رقم واحد بماسبيرو، وفوجئت من رئيس تحريره علي عثمان بأن المطلوب أن أدلى بدلوى فى كل قضايا اليوم من سد النهضة، وتخريج دفعة جديدة من الضباط والتطرف الدينى فى فرنسا، وحادث انفجار شارع فيصل الغامض الذى وقع قبل البرنامج بدقائق، وضبط إردوغان متلبسا بشراء بترول داعش، وقرار المحكمة ببطلان انتخابات «طاهر الأهلى» وكيف يجرؤ وزير الشباب على الخضوع لدولة الفيفا داخل الدولة المصرية، وضحايا العنصرية فى شيكاغو، وبعد ان كنت قد تجهزت وتحفزت واحتشدت لمعانى الاحتفال بمرور 140 سنة على موافقة «حضرتلو دولتلو إسماعيل أفندى على قصد سليم تقلا إنشاء صحيفة عربية بمدينة الإسكندرية تحت أنظار الحكومة السنية واستعداده اتباع القوانين التى تتعلق بالجرائد» .. وهى الموافقة على صدور جريدة من مطبعة حجرية بالإسكندرية صارت مؤسسة ثم قلعة إعلامية عابرة للقرون، طوت بين صفحاتها بداية ونهاية امبراطوريات كانت تسد عين الشمس فصارت فعلا ماضيا وخبرا حدث بالآمس .. وبعد أن كدت أتبرم وأنسحب من القيام بدور «أبو العريف» فى كل قضايا الساعة،قادنى المذيع الساحر شريف عبد الوهاب لعبور الفقرة ببساطته بنفس الحميمية التى تجعله يتحسس كلماته وهو يدخل بيوت الناس، فصار عيد الأهرام الذى احتشدت له بالمفاجآت والأسرار مجرد فقرة لا تتعدى الثلاث دقائق، وهى لا تكفى لشرح بعض الدلالات والرسائل المهمة التى وجهتها الأهرام فى احتفاليتها بالأمس ومن بينها:

الرسالة الأولى : عرفان بالجميل واعتذار مغلف بحديث الذكريات وباقة الورد البسيطة التى أهديت من إدارة التحرير الى شيوخ المهنة الذين عادوا الى صالة التحرير بعد أن غادروها منذ سنوات، وبعد حديث الصور ودموع العتاب وأشواق الفراق وكل صورة تحكى حالة عن سيف الإحالة بالسياسة وبالمعاش الذى لم يكن له قلب.. ولا يزال!

الرسالة الثانية: هى دعوة لسائر مؤسسات الدولة بتدارس خبرة العمر الطويل، للحفاظ على تماسكها فى هذه اللحظة الفارقة من حياة الوطن، وأن أولى الروشتات لحياة أطول وأكثر عطاء هو أن تلتقى أجيال كل مؤسسة دون إقصاء وتتوحد قلوبها وتصفو نفوسها وتستجمع قواها وتتآلف وهى تخطو خطوة جديدة فى عمرها، فالمؤسسات التى تجاوز عمرها المائة والأربعين عاما صارت محدودة بالقياس لدولة عتيقة مثل مصر عميقة الجذور والتى تربى فى أحضانها والتاريخ، وحين يجتمع شمل أسرة الأهرام وتسمو على جراحها وترتفع إداراتها الى مستوى المسئولية عن خلافاتها الايديولوجية الضيقة فهذه واحدة من الخبرات، فعلى مستوى حياتنا العادية فإن أم كلثوم بكل عظمتها عاشت خمسا وسبعين سنة، ولا يمكن تخيل مصر بدون صوت ام كلثوم .. رأيى الشخصى ان المعانى التى غرسها صوت أم كلثوم غيرت فى شكل نظرتنا للحب وعلاقة الرجل بالمرأة ومفهومنا للوطن، فكل انسان له بصمته وتأثيره فى الدائرة المحيطة به بنسبة ما، فما بالك اذا كان عمله يرتبط بتشكيل الفكر والوجدان والقيم، وقد ابدو مجاملا اذا قلت ان شكل الحياة بدون صوت أم كلثوم ربما لا يطاق ، فما بالك بالأهرام سواء الإعجاز البنائى والهندسى والمعمارى الشامخ على هضبة الجيزة منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة ، أو«الأهرام» الشامخة فى شارع الجلاء التى صارت منارة الفكر والثقافة وديوان الحياة العالمية على مدى عمرها الطويل، وشكلت وجدان الأمة المصرية وساهمت فى وحدتها وأكدت على ترابطها .. واحترامها قيم الدولة العلياعلى مدى 140 سنة مضت.

الرسالة الثالثة: الى الوسط الإعلامى والصحفى والقائمين عليه، أن النقد المسئول لايهدم دولة كما قال شيخنا مكرم محمد أحمد وكم قادت الأهرام قضايا الخطاب الدينى والفكرى، وخاضت معارك، دون تجريح أو تحريف أو تردد فعاشت قلعة فكرية ومنارة وضمت اليها المفكرين من كل والتيارات الأيديولوجية والسياسية ليس لاتقاء شرهم ولا لاستيعابهم ولكن لأن رسالتها هى مصر بكل معانيها، والفارق بين إعلام الأهرام والإعلام القومى المرتبط بمصالح الدولة العليا وبين الإعلام الملاكى بكل أشكاله وعصاباته وتحالفاته الفضائية والالكترونية والمطبوعة، أن الأول يحرس قيم الدولة ويرعاها ويؤكد عليها فيعيش ويمكث فى الأرض ،اماالآخر فهو كالزبد يذهب جفاء فيعتمد على الإسفاف والهبوط منهجا والفرقعات والخبطات والصدمات وسيلة، فتصبح مواده الاعلامية مجرد قنابل ومشاهد انتحارية سرعان ما تهوى وتتلاشى،

أما الرسالة الرابعة: فهى تجديد العهد والبيعة والوعد إلى ولى نعمتها ومالكها الرئيسى وسر بقائها واستمرارها وهو القارئ .. فأنت ـ سيدى ـ هدفنا وغايتنا لأنك باختصار .. «أنت الأهرام» !
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف