بالطول والعرض.. بالذوق والعافية.. ستظل مصر هبة النيل وسيظل النيل ليس نجاشيا فقط، ولكنه بالقانون والتاريخ هو نيل عشر دول ومن بينها دولتا المصب مصر والسودان.
وفى هذا الحوار يفتح الدكتور نادر نور الدين النقاش فى أخطر قضية تواجه مصر هذا العام والعام المقبل وكل الأعوام المقبلة حتى يوم القيامة.
• النيل والسدود الإثيوبية
قال الدكتور نادر نور الدين محمد، أستاذ الأراضى والمياه بجامعة القاهرة: إن سد النهضة يمثل خطرا على الأمن القومى المصرى، ويشعر رجل الشارع الآن، أن سير المباحثات الحالية وبهذه الاستراتيجية تدعم وتثبت هذا الخطر الداهم على مستقبل أمن المياه فى مصر، وأصبحت هموم مياه نهر النيل هى الشاغل الأكبر لكل مواطن مصرى، وبدأت وزارة الرى نفسها فى محاولة إصلاح ما فاتها، واستعانت بوزارة الخارجية لمحاولة التوفيق والوصول إلى حلول وسط، لأن هناك تعنتًا وتسويفًا من جانب إثيوبيا خلال المفاوضات، التى تعمل لتحقيق مصالحها الشخصية ومصالح شعبها دون توقف، بينما هناك عجز وصمت غريب من جانب المسئولين فى مصر.. ولكن رغم كل ذلك فهناك حلول يمكن أن نلجأ إليها.. فإلى نص الحوار:
• ما أهم التحديات التى تواجه مصر حاليا؟
- النقص الشديد فى المياه ومستقبل الأمن المائى للأجيال القادمة، فنحن نعانى حاليا من نقص فى مواردنا المائية يصل إلى 30 مليار متر مكعب سنويا فتعدادنا 90 مليون نسمة ويحتاج الفرد إلى ألف متر مكعب من المياه فى السنة ليعيش عند مستوى الشح المائى، وبالتالى ينبغى أن تكون مواردنا المائية 90 مليار متر مكعب سنوى، ولكن الواقع يشير إلى أننا لا نمتلك إلا 60 مليار متر مكعب فقط منها 55.5 مليار من حصتنا المهددة من نهر النيل وخمسة من المياه الجوفية، وبالتالى فمصر تحتاج وبشدة إلى موارد جديدة من المياه لتسد فجوتها المائية العميقة، ولذلك تغمض الحكومة عينيها عن صرف مياه الصرف الصحى والصناعى والزراعى إلى النيل والترع بدون معالجة من السموم والأمراض التى يحتويها لكى توفر نحو 15 مليار متر مكعب من عجزها المائى، ولكن على حساب صحة المواطن، وتعود لتنفق ما وفرته على علاجهم من أمراض الفشل الكلوى والتليف الكبدى والسرطان، والأجدى معالجة مياه المخلفات لنحافظ على نهر النيل من التلوث وأيضا على صحة المصريين، فالمريض لا ينتج وتلوث مياه النهر أدى إلى رفض صادراتنا الزراعية إلى أوروبا. تزايد الفجوة المائية المصرية بعد سد النهضة ستزيد من الفجوة الغذائية وترفعها من 55% حاليا إلى 75% مستقبلا. وهذا سيستنزف رصيدنا من العملات الأجنبية فى استيراد السلع الغذائية الضرورية، بالإضافة إلى أن تزايد الفجوة المائية المصرية إلى عجز يصل إلى 75 مليار متر مكعب عام 2050 وقت أن يصل عدد سكان مصر إلى 135 مليون نسمة يحتاجون إلى 135 مليار متر مكعب من المياه.
• ما رأيك فى تأجيل مفاوضات سد النهضة التى انتهت بالخرطوم دون أن تحقق أىا من أهدافها؟
- الصحوة المصرية بدأت متأخرة وبعد 17 شهرا من بداية المفاوضات الجديدة فى شهر أغسطس من العام الماضى لم تطلب فيها مصر إيقاف العمل فى السد رغم توقع الجانب الإثيوبى لهذا الأمر فى بداية المفاوضات، حتى إن وزير الرى الإثيوبى فور عودته إلى إثيوبيا سألته الصحافة الإثيوبى: هل سيتم إيقاف العمل فى السد لحين التوافق على مواصفاته؟ فكانت إجابته ولماذا نوقفه والمصريون لم يطلبوا ذلك؟!!
بالإضافة إلى الرضوخ لرأى إثيوبيا بعدم التباحث حول مواصفات السد ولا ارتفاعه ولا سعة تخزينه، ولا أيضا التباحث حول حصة مصر من المياه! والآن وبعد مرور 17 شهرا نريد أن نعود فى كلامنا ونتباحث حول مواصفات السد وسعة تخزينه وإيقاف العمل فى السد وحصتنا من المياه! إنها مفاوضات الفرص الضائعة والدبلوماسية المستجدة التى أضاعت الكثير من الحقوق المصرية، فمبدأ التفاوض الدولى أن ما يتم التوافق عليه لا يفتح ثانية أبدا للتفاوض مرة أخرى، وهو ما واجهه د. نصر علام عندما تولى الوزارة بعد د. محمود أبو زيد وأراد أن يفتح للمناقشة بعض البنود الجائرة فى اتفاقية عنتيبى فرفضت الوفود جميعا إعادة مناقشة ما تمت الموافقة عليه سابقا لأنهم تباحثوا مع وزير الرى المصرى وليس مع محمود أبوزيد. عموما مازالت إثيوبيا والسودان ترفضان مشاركة وزراء الخارجية ولا تسييس القضية وتعتبر أن المفاوضات وطبقا لإعلان مبادئ سد النهضة أنها مفاوضات فنية فقط تختص بالمياه والسد، وليس لها شأن بالسياسة، بينما تعتقد مصر أنها سياسية لأن الغرض من إنشاء السد أساسا هو هدف سياسى لريادة إثيوبيا لدول شرق أفريقيا وإزاحة مصر عن الريادة وقت أن تتحكم فى كميات المياه الواردة إلى مصر، لأنه ليس سدا، ولكنه محبس مقام على النيل ليفتح ويغلق المياه وفقا للأهواء الإثيوبية.
• ما رأيك فى الطريقة التى تدير بها الحكومة ملف سد النهضة؟
- أنا قلت رأيى فى المفاوضات من عشرة أشهر، فقدم وزير الرى بلاغًا ضدى للنائب العام يطالب بحبسى، وهو ما لم يقم به وزير الرى الإثيوبى، كما أننا نرى إجماعا فى الهموم الوطنية لخبراء إثيوبيا والتفاف الجميع حولها، ولم يتبادلوا الاتهامات.
• الخطر الداهم
ونستطيع القول إنه حتى الشهر الماضى، كانت وزارة الرى منفردة هى التى تدير الملف وترى أن لديها من الكفاءة ما يجعلها تنفرد بذلك، قبل أن تستغيث بوزارة الخارجية. عموما ما قلته من قبل هو أن سد النهضة يمثل خطرا على الأمن القومى وأن سير المباحثات الحالية وبهذه الاستراتيجية تدعم وتثبت هذا الخطر الداهم على مستقبل أمن المياه فى مصر، وهو ما شعر به رجل الشارع الآن، وأصبحت هموم مياه نهر النيل هى الشاغل الأكبر لكل مواطن مصرى، وبدأت وزارة الرى نفسها فى محاولة لإصلاح ما فاتها، ولكن بعد فوات الأوان، وبالتالى استعانت بوزارة الخارجية لمحاولة التوفيق والوصول إلى حلول وسط وهى التى كانت ترفض من قبل أى تدخل من الخارجية فى عملها، وعقد الرئيس اجتماعا بين وزيرى الرى والخارجية منذ ستة أشهر بعد أن تعالت أصوات من الخارجية تنتقد المباحثات.
عموما لم أكن أرجو أن تختار وزارة الرى من عمل مستشارا لوزارة الرى الإثيوبية ليرأس وفد التفاوض المصرى ويتفاوض مع أصدقائه ورؤسائه هناك، بل كنت أرجو الدكتور علاء رسلان نفسه أن يسلك سلوك القضاء باستشعار الحرج وأن يعتذر عن قيادة المفاوضات لسابق تعاونه مع إثيوبيا طوال ثلاث سنوات كمستشار للسدود ومياه النيل، وأن يضع خبراته فى خدمة المفاوض المصرى دون أن يقود المفاوضات، ولهذا أيضا لم تعجبنى تصريحاته الأخيرة بأننا دولة متحضرة ينبغى أن نستمر فى التفاوض حتى لو انتهى السد بالكامل فينبغى أن يستمر التفاوض سدا بعد سد ولا ينبغى أبدا التلويح بالحرب أو بالتحرك الدولى، وعلينا أن نتدبر عن ماذا بعد السد؟! فهذا ليس منهج تفاوض أبدا، بل منهج استسلام وإحباط ويأس!
• وهل ترى أن استراتيجية التفاوض يمكن أن تحقق نتائج لصالح مصر؟
- ليس من المقبول أن تكون استراتيجية المفاوض المصرى منصبة على مجرد بدء المكاتب الاستشارية عملها، فى مراجعة الدراسات التى قامت بها إثيوبيا حول السد وتداعياته، ورأيها فى النهاية غير ملزم لأى طرف لأنها ليست لجانا دولية أو تحكيمية، كما جاء فى نص التوافق عليها، كما أنها سمحت لإثيوبيا بأن تأخذنا للحديث حول السد ومواصفاته وليس عن المياه نفسها، لأننا مهمومون بهذا السد من ناحية تأثيره على حصتنا من المياه، وليس من أجل السد نفسه، وبالتالى ينبغى لاستراتيجية مصر أن تتغير إلى التباحث حول حصصها من المياه، وما ينبغى ألا يقل عنه المنصرف من خلف السد الإثيوبى يوميا وسنويا، وعدم ارتباط ذلك بتوليد إثيوبيا من الكهرباء، بالإضافة إلى تحديد الموقف المصرى من المياه فى سنوات الجفاف، وفيها ينبغى أن تكون الأولوية لصرف المياه للحفاظ على حياة الشعب المصرى وليس حجزها لتوليد الكهرباء، بالإضافة إلى التباحث حول حصتنا من الفيضان وألا تستأثر إثيوبيا وحدها بهذه المياه، فنحن نعتمد عليها فى التخزين فى بحيرة ناصر سواء لتوليد الكهرباء أو لمواجهة سنوات الجفاف. للأسف الحديث عن المياه غائب، وبالتالى فالمفاوض المصرى يتباحث عن الحجر وليس عن البشر.
• ماذا لو انتهت الأزمة وفق المسار الحالى للمفاوضات؟
- سير المفاوضات لا يبشر بالخير والتحرك المصرى متأخر جدا، وترك حسم الأمور المهمة للحظات الأخيرة والسد قارب عن منتصفه، وسيتم بدء تخزين المياه بعد ستة أشهر فقط فى يونيو القادم، لتكوين أول 10 - 14 مليار متر مكعب من المياه، لبدء تشغيل المرحلة الأولى من السد فى أكتوبر القادم، وتشغيل أول توربينين لتوليد 700 ميجاوات من إجمالى ستة آلاف متوقع توليدها نظريا فى أكتوبر 2017، بعد الانتهاء من بناء السد وتشغيل 16 توربين كاملا، وحتى الآن مصر لا تعرف كم المياه التى ستسمح إثيوبيا بصرفها يوميا ولا سنويا من خلف السد ولا نصيب مصر أو السودان منها، ولا كيف ستملأ السودان سديها الروصيرس بسعة 7 مليارات ولا سنّار بسعة 3 مليارات، وهى سدود توليد كهرباء ورى، لأن إثيوبيا تقول شفاهة فقط إنها ستصرف 330 مليون متر مكعب يوميا، ولا تريد أن توقع على ذلك كتابة فى معاهدة مكتوبة، لضمان حقنا من المياه عموما، فالسودان تحتاج لامتلاء سديها نحو عدة أشهر لتأخذ المياه كاملة دون وصول نقطة مياه إلى مصر، وبالتالى ينبغى امتلاء السدود السودانية أولا وقبل البدء فى تصريف المياه من السد!! غريب جدا من مصر والسودان أن تتفاوضا على السد وليس على ضمان حصتيهما من المياه كتابة، وأن تتركا الأمر فى يد إثيوبيا وحدها وكأننا نسلم نهر النيل كاملا لها ثم نبكى على المياه بعد ذلك!
• تصحيح المسار
• وماذا يجب أن تفعله الحكومة لتصحيح مسار المفاوضات مع إثيوبيا؟
- أولا أن تغير الحكومة الاستراتيجية المصرية بالتفاوض، بعدم الاهتمام بعمل أو توقف المكتبين الاستشاريين عن العمل، مادام تقريرهما غير ملزم لأى طرف، والتحول وفورا للحديث عن حصة مصر من المياه والكميات التى لا ينبغى أن تقل عنها تدفقات المياه من خلف السد فى أى وقت من الأوقات، حاضرا ولا مستقبلا سواء يوميا أو سنويا، وحصص مصر من مياه الفيضان، وأن تصر على أن تكون الأولوية وقت الجفاف لصرف المياه للشعب المصرى، وليس تخزين المياه القليلة من أجل توليد الكهرباء، بالإضافة إلى الحديث المبكر عن السدود القادمة التى تنوى إثيوبيا إنشاءها على النيل الأزرق وعددها أربعة سدود، وستبدأ إثيوبيا فى إقامتها بمجرد انتهاء سد النهضة، للتغلب على مشاكل كم الطمى الهائل الذى تحمله مياه النيل الأزرق بحجم 136.5 مليون طن سنويا، وبالتالى لابد من إقامة هذه السدود لتخفيف الإطماء عن سد النهضة، فمصر أضاعت وقتا كبيرا فى لا شىء، وتركت الأمور المهمة للحظات الأخيرة!
• ما توقعاتك للجولة القادمة من المفاوضات؟
- بالتأكيد هى لن تحقق نجاحا لأننا فرطنا فى الكثير وأعطينا للمفاوض الإثيوبى الإحساس بالتفوق، ونحن الآن نحاول أن نستعيد ما أضعناه، سواء بتسييس القضية أو بالحديث عن حصتنا من المياه ونظام تشغيل السد، وهل يبدأ العام القادم أم ينتظر حتى ورود فيضان غزير، وهذا غير معلوم وفى علم الغيب، حيث لا يصح لإثيوبيا أن تبدأ التخزين فى سنوات القحط الحالية، التى امتدت لتسع سنوات بدلا من سبع، وذلك تماشيا مع توقعات تغيرات المناخ بأن تقل الأمطار على منابع النيل فى إثيوبيا بنسبة 70%، ويبدو أنها تتحق الآن، وبالتالى فإن إنشاء السدود الضخمة فى إثيوبيا لا يتماشى أبدا مع توقعات تراجع الأمطار وتكرار سنوات الجفاف على الهضاب الإثيوبية، وينبغى أن تكون سدودا صغيرة فقط، طبقا للقانون الدولى للأمم المتحدة لمياه الأنهار المشتركة، ولكن للأسف إثيوبيا تقييم سدودها لتخزين المياه وليس لتوليد الكهرباء، كما أنها تخطط للاتجار فى المياه وبيعها لدول الخليج ولإسرائيل ولمصر والسودان وغيرهم على حساب حق الشعب المصرى فى الحياة والبقاء.
• تدويل القضية
• وماذا لو رفضت إثيوبيا إيقاف إنشاء سد النهضة؟
- بالطبع سترفض إثيوبيا إيقاف العمل فى السد، لأن مصر لم تلب الأمر مبكرا ومنذ 16 شهرا، كما أن الأمر أصبح شعبويًا وتعبويًا فى إثيوبيا، ولكن يمكن أن نطلب تباطؤ العمل فى السد، حتى يتم التوافق على نظام تشغيله والحصص المائية التى ينبغى أن تصرف من خلف السد، وضمان حقوق الشعب المصرى فى الحياة، ولكن فى حال الإحساس بنية إثيوبيا فى الغدر بمصر، فينبغى وفورا إيقاف التفاوض العبثى الحالى وتحويل إعلان مبادئ سد النهضة إلى البرلمان المصرى ليرفضه، وبذلك يتم سحب اعتراف مصر بالسد ويفقد شرعيته، ثم تبدأ مصر فى تدويل القضية ورفع قضية عاجلة أمام المحكمة الدولية، للحصول على إدانة للسد لمخالفته لقانون الأمم المتحدة لمياه الأنهار لعام 1977، بشأن مخالفة إثيوبيا لمبدأ الإخطار المسبق وإجراء دراسات مسبقة عن السد وليست دراسات لاحقة، وأن تخطر دولة المصب بها وتسلمها نسخ الدراسات وتترك لها سنة لدراستها، وإذا لم توافق يعرض الأمر على الأمم المتحدة للفصل - وهذا كله لم تفعله إثيوبيا، بل بنت السد بقرار منفرد منها، وكأنها ترسخ لمبدأ همجية وعشوائية بناء السدود فى العالم، وهو ما ينبغى للضمير العالمى أن يرفضه.
• ما رأيك فى الموقف السودانى؟
- إثيوبيا بنت استراتيجيتها فى التفاوض على إحداث انشقاق فى الموقف المصرى السودانى، الذى لطالما عملا كصوت واحد لدولتين، ونجحت فى ذلك تماما لأنه للأسف كان النظام السودانى البشيرى لديه الاستعداد للانشقاق، بل تأليب الشعب السودانى الشقيق على مصر، والإعلان عن أن مصالح السودان حاليا مع إثيوبيا وليس مع مصر، بل إعلانه أن السودان هى فى الأصل جزء من الهضبة الحبشية العظمى، التى تضم إثيوبيا وإريتريا وجيبوتى والصومال والسودان، وأن العرب هم من فصلوا السودان عن جذورها الحبشية والتى آن الأوان للعودة إليها.
ولذلك لم يكن من الغريب أن توقع القيادة السودانية الحالية معاهدة دفاع مشترك مع إثيوبيا، ولا أن تكون جيشا مشتركا للدفاع عن سد النهضة، وعن الحدود المشتركة بين الدولتين!! ولا أن يعلن الرئيس السودانى بأن سد النهضة أصبح واقعا وعلى مصر أن تستسلم للأمر، ولا أن يدعى فى عقر دارنا فى حواره مع قناة المحور الفضائية بأن إثيوبيا قد أصبحت هى قلب أفريقيا وقائدتها وليس مصر، وعليها أن تعترف بذلك، محاولا بث روح اليأس، ولكن هيهات أن يستجيب الشعب المصرى الواثق فى قدراته لمقولات صادرة عن رجل نعرف خلفياته وكل فكرة تدور فى رأسه.. المشكلة أن الرئيس السودانى قد اقتنع بأن السد مفيد للسودان متناسيا أن إثيوبيا تفاوضه بالآثار الجانبية للسد، بمعنى أن كل السدود تجحز الفيضانات وتحجز الطمى خلفها، وأن إثيوبيا تقيم سدها الضخم من أجل ما تتصوره فى صالحها الوطنى فقط وضد مصالح السودان قبل مصر، وأن غدا سيعانى السودان مما عاناه المصريون بعد انقطاع الفيضان خلف السد العالى، من تلوث بيئى وإفراط فى إضافة الأسمدة الكيميائية لتعويض نقص الطمى الغذاء الأول للأراضى الزراعية، ثم نقص مياه الفيضان التى تغسل التربة سنويا ودوريا من التلوث ومن الأسمدة والمبيدات، وسيبدأ الشعب السودانى فى حصد أمراض الفشل الكلوى والتليف الكبدى والأورام السرطانية، وبعدها وبمجرد أن تقوى شوكة إثيوبيا تبدأ فى تحقيق أطماعها فى الأراضى السودانية بضم ولايتى النيل الأزرق وكسلا الحدوديتين مثلما ضمت من قبل منطقة الغضارف السودانية، ثم تبدأ أيضا إريتريا فى ضم مناطق نهر عطبرة الحدودية، والتى هى على يقين بأنها أراض إريترية وليست سودانية، ووقتها لن تجد السودان سوى مصر فقط لتحميها من أطماع جيرانها، وتعلم وقتها الثمن الفادح الذى دفعته للتبعية لإثيوبيا ظنًا منها أن هذا يضعف مصر، ولكن هيهات أن يستسلم الفراعنة.
• لماذا تنحاز إثيوبيا للشركة الفرنسية بدلا من الهولندية فى إجراء دراسات سد النهضة؟
- المكتب الاستشارى الفرنسى يقوم بأعمال تطوير الرى فى إثيوبيا، بالإضافة إلى أن كل خبراته فى مجالات شبكات الرى والصرف، وليس له سابق خبرة فى تقييم السدود المقامة على الأنهار، وتظن إثيوبيا أنه مؤيد لها أو أنها قادرة على خداعه فيما يخص بيانات أضرار السد البيئية والاجتماعية والاقتصادية والمائية على مصر، بينما المكتب الهولندى أكثر خبرة وعراقة وله سابقة أعمال فى تقييم السدود المقامة على الأنهار، وسيفضح السد الإثيوبى ولن تستطيع إثيوبيا رشوته أو استمالته، وبالتالى سيصدر التقرير العادل بتأثير السدود الكبيرة لدول المنابع على باقى دول المصب، وتخشى إثيوبيا تماما من مستوى خبراء هذا المكتب، ولهذا رفضت من قبل أن تكون لجنة الخبراء دولية، لأنها تعلم أن سدها مدان وغير شرعى، وأصرت على أن يكون الخبراء محليين فقط من الدول الثلاث دون غيرها، بعد أن أدان الخبراء الدوليون السد سابقا فى تقرير اللجنة الدولية الصادر فى مايو 2013، وكان يضم خبراء من ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وجنوب أفريقيا. للأسف إثيوبيا لا تتفاوض معنا بشرف، ونحن أيضا نتفاوض معها بمهانة وبحسن نيه مفرطة، رغم أن سوء الظن من حسن الفطن.
• بغير شرف
• وكيف كان تعامل مصر مع هذا الملف سابقا؟
- مبارك وعمر سليمان كانا يتعاملان مع الأمر ببالغ الجدية، وعندما عرض مليس زيناوى رئيس وزراء إثيوبيا الراحل السد على مبارك عام 2010، وكان بسعة 14.5 مليار فقط رفضه مبارك بشدة، وقال له لديكم أنهار عديدة وعندما تنتهون من إقامة السدود عليها فكروا فى سدود النيل الأزرق شريان حياة مصر، وهدد بضرب أى سد يقام دون موافقة مصر، ولذلك استغلت إثيوبيا أحداث ثورة 25 يناير فى إقامة هذا السد، بغير شرف ولا نزاهة، وبما يعكس أسلوب إثيوبيا الاستغلالى والانتهازى، وهو ما لا يمكن أن تغفره مصر لها.
• هل كان يمكن منع البدء فى بناء سد النهضة من الأساس؟
- لم يكن الهدف فى وقت ما منع إثيوبيا من إقامة السدود على أنهارها، بدليل أن لديها الآن 14 سدا مختلفا على أنهارها، من سد تاكيز على نهر عطبرة أحد أنهار نهر النيل، ومصر لم تعترض عليه لأنه بسعة تخزين مياه 9 مليارات متر مكعب فقط، وإنما كان الأمر يتعلق بعدم إقامة السدود الضخمة، وهذا السد يصنف على أنه أضخم سد فى القارة الأفريقية وواحد من أكبر السدود فى العالم، ولا يصح هذا لأى دولة منبع نهر فى العالم، لأنه يعنى تعمد إضرار دولة المصب ويعكس عدم وجود وازع إنسانى أو ضميرى فى التعامل مع المياه، ولكنه البحث عن الأموال من بأى طريقة غير شريفة. عموما مازال الأمر ممكنا بأن تكشر مصر عن أنيابها، والإعلان عن أنها لن تسمح باستكمال سد النهضة قبل الحصول على ضمانات كتابية بحصتها ومعدل تدفقات المياه من خلف السد.
• بدائل
• هل تطمع إسرائيل فى حصة مائية من نهر النيل؟
- إسرائيل لديها عجز مائى حاليا بنحو 2 مليار متر مكعب سنويا، وكانت قد اتفقت مع تركيا على شراء نحو مليار متر مكعب من مياه نهر الفرات بعد إنشاء سد أتاتورك العظيم، وكاد الأمر يتحقق لولا الأزمة العميقة التى حدثت فى سفينة الدعم التركى لحماس التى قامت إسرائيل بقذفها بالطائرات، بما أدى إلى قتل العديد من الأتراك وبعدها ألغى نظام أردوغان الاتفاق، وأصبحت تتجه الآن إلى تفعيله مع إثيوبيا سواء عبر خطوط أنابيب أو عبر ترعة السلام من مصر لإسرائيل، ولكن حتى الآن لا توجد أى دلائل على نية إسرائيل لشراء المياه من إثيوبيا، وإن كان الأمر محتملا ومازالت تركيا هى الأقرب، خاصة أن لديها وفرة مائية وخصم 25 مليار متر مكعب من حصة مياه سوريا والعراق تمهيدا لبيعها إلى إسرائيل والمملكة والكويت والإمارات وقطر، عبر ما أسمته بخطى أنابيب السلام أحدهما يتجه إلى إسرائيل والثانى لدول الخليج، لكن عموما لإسرائيل مصلحة مباشرة فى إضعافنا وأى شىء يحجز المياه ويضعف مصر يسعدها حتى تضمن كونها القوى الأعظم والأكبر فى الشرق الأوسط، رغم أن اتفاقية كامب ديفيد تمنع أى سلوك عدوانى لإسرائيل ضد مصر أو مساندة أى طرف ضد مصالحها.
• هل هناك بدائل لتوفير المياه لمصر؟
- لابد لمصر فى السير أيضا فى طريق البدائل التعويضية للمياه مثل التخطيط لإنشاء عدد كبير من محطات تحلية مياه البحر التى علميا لن تزيد تصرفاتها على خمسة مليارات متر مكعب سنويا بإمكانات السعودية البترولية، وبالمثل أيضا اللجوء إلى تقنيات معالجة مياه المخلفات للصرف الصحى والتى توفر لمصر 5 مليارات متر مكعب إضافية من المياه وإيقاف عمليات تلوث مياه نهر النيل والترع والمصارف، ثم معالجة مياه الصرف الزراعى التى يمكن أن توفر لمصر نحو 10 مليارات متر مكعب من المياه الصحية من إجمالى 15 مليار متر مكعب هى إجمالى حجم مياه الصرف الزراعى فى الدلتا، ثم أخيرا نحو مليار متر مكعب من مياه مخلفات الصرف الصناعى، هذا الأمر سيتطلب تغيير السياسات الزراعية بتقليص مساحات زراعات الأرز وقصب السكر والموز والبرسيم وخضروات الأوراق العريضة من الكرنب والقلقاس وغيرها. •