الوفد
د. اكرام بدر الدين
الأحزاب وتدعيم التعددية السياسية
تلعب الأحزاب السياسية دوراً مهماً في النظم السياسية المختلفة باعتبارها من المؤسسات السياسية المهمة التي تعكس شكل وطبيعة وفلسفة نظام الحكم من جانب، بالإضافة إلى كونها أداة هامة من أدوات التنشئة السياسية في أي مجتمع وتغرس وتؤثر وتعكس القيم السياسية في المجتمع، والتي يطلق عليها الثقافة السياسية، ولعل إحدى هذه القيم الهامة هي قيمة التعددية ما يعكس العلاقة الوثيقة بين الأحزاب وعملية التنشئة والثقافة السياسية وقيمة التعددية، ودور الأحزاب السياسية في تدعيم التعددية وخصوصاً على المستوى السياسي، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات الأساسية التالية:
أولا: الأحزاب والتعددية: فالحزب بحكم تعريفه كجماعة سياسية منظمة ذات برنامج ويهدف إلى الوصول إلى السلطة ينطوي بالضرورة على فكرة التعددية، فالحزب لا يمكن أن يتكون من فرد واحد بل هو جماعة من الأفراد من حيث الجنس (رجالاً ونساء)، كما يتعدد أعضاء الحزب من حيث الديانة، والمستوى الثقافي والتعليمي، ومن حيث الخلفية الاقتصادية والاجتماعية، ومن حيث الانتماء إلى الحضر أو الريف، أو الانتماء إلى المركز (العاصمة) والمحيط أي الأقاليم والمناطق الحدودية، كما تتعدد المهارات والقدرات التنظيمية والإدارية لأعضاء الحزب، كما ينطوي البرنامج الحزبي والمعبر عن أفكار وتوجهات وفلسفة الحزب على التعددية من حيث ما يتناوله من قضايا تتعلق بالجوانب السياسية الداخلية والخارجية والقضايا الاقتصادية فضلاً عن الجوانب المتعلقة بالاعتبارات والقضايا الفكرية، والثقافية والهوية، والانتماء، والأمن القومي، والتنمية، والعدالة الاجتماعية، والحقوق والحريات، كما تتضح فكرة التعددية أيضا في أنشطة الأحزاب المختلفة حيث تهدف فيما تقدمه من برامج مختلفة وحلول للمشكلات وتصورات للمستقبل إلى إثراء فكرة التعددية وتدعيمها، من خلال ما تطرحه من بدائل يمكن للناخب الاختيار والمفاضلة بينها، كما تطرح الأحزاب أيضاً امكانية الاختيار والمفاضلة بين أشخاص المرشحين ما يعني ارتباط الأحزاب بالتعددية سواء على المستويين الفكري والنظري، أو على مستوى التطبيق والممارسة، ويلاحظ أن تطبيق التعددية بشكلها الصحيح يتطلب توافر قيم وسمات أساسية وهي التسامح، والبعد عن التعصب بمعنى قبول الآخر سواء كان الآخر دينياً أو سياسياً، والقبول بالمنافسة وتبادل الأدوار بين الحكومة والمعارضة مما يكرس قيمة التعددية.
ثانياً: الأحزاب المصرية والتعددية، حيث عرفت مصر منذ دستور 1923 أربع مراحل أساسية من مراحل التطور الحزبي، ودور الأحزاب في ترسيخ قيمة التعددية، وهذه المراحل هي:
أ- مرحلة العهد الليبرالي التي استغرقت قرابة ثلاثة عقود من الزمان سابقة لثورة 1952، واتسمت هذه المرحلة بالتعددية الحزبية وقبول التعددية على المستويات المختلفة السياسية والاجتماعية، والاقتصادية، والدينية، والثقافية، وتقبل الآخر، وعدم التمييز ضده أو التعصب، وقد عبر الشعار الشهير «الدين لله والوطن للجميع» عن هذه المرحلة خير تعبير.
ب- مرحلة الحزب الواحد أو التعددية المتصورة، واستغرقت هذه المرحلة قرابة ربع قرن من الزمان (1952-1976) حيث عرفت مصر خلال هذه المرحلة فكرة التنظيم السياسي الواحد بمسمياته المختلفة، مع محاولة إعطاء صورة من جانب النظام بإمكانية وجود التعددية داخل التنظيم السياسي الواحد، أو الحزب السياسي الواحد.
ج- مرحلة التعددية الشكلية أو المقيدة (1976-2010) وقد بدأت التعددية في هذه المرحلة من داخل التنظيم الواحد عن طريق المنابر التي تحولت إلى تعددية حزبية، ولكن يلاحظ أن هذه التعددية كانت شكلية أو مقيدة، وتسير في نطاق ما يرسمه ويفرضه الحزب الحاكم، وترد عليها العديد من القيود التي تبعد التعددية عن مفهومها الصحيح، وكذلك فإن التوصيف الصحيح لهذه المرحلة هو مرحلة الحزب المهيمن أو الحزب المسيطر، أي سيطرة حزب وحيد على المشهد بأكمله رغم تواجد أحزاب سياسية متعددة.
د- مرحلة التعددية المفرطة، وهي المرحلة التي أعقبت عام 2011 واتسمت بتعددية مفرطة في الأحزاب السياسية مع تراجع دورها وتأثيرها وتواجدها على الأرض، وقد شهدت هذه الفترة تغيرات وتطورات هامة في المفاهيم الأساسية المرتبطة بالمواطنة والانتماء والهوية والمشاركة وما ترتب على ذلك من اتهامات واتهامات مضادة، ووصل الأمر في حالات متكررة إلى درجة التعصب في الرأي وتوجيه تهم التخوين وكانت النتيجة النهائية لذلك تراجع دور الأحزاب في تدعيم قيمة التعددية، وتراجع دورها في عملية التنشئة مفسحة المجال لتأثير أدوات أخرى من أدوات التنشئة.
ثالثاً: الأحزاب والتعددية – نظرة مستقبلية: يتوقع أن تتجه الأحزاب السياسية المصرية في المستقبل نحو مزيد من التكتل والائتلاف بحيث يتناقص عدد الأحزاب من حيث الكم، ويتزايد تأثيرها وقوتها من حيث الكيف، ويتزايد دورها كإحدى الأدوات الهامة لعملية التنشئة وينعكس ذلك إيجابا بصفة خاصة على قيمة التعددية وخصوصاً إذا ما وجهت الأحزاب اهتماماً خاصاً إلى بعض القطاعات الهامة وخصوصاً الشباب والمرأة وبحيث يكون أساس التعامل مع الجميع هو الاعتبارات الموضوعية المتعلقة بالكفاءة والقدرة على الأداء والإنجاز وخصوصاً إذا حدث تعاون في عملية التنشئة وتكريس التعددية بين الأحزاب ومؤسسات الدولة المختلفة، وكانت عملية التنشئة بين جميع هذه الأدوات تسير في نفس الاتجاه نحو تدعيم التعددية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف