الوفد
علاء عريبى
رؤى «أحمد» زى «إزدحمد»
زمان قوى، ربما من خمسين سنة، كنت أسمعهم فى القرية يقولون: «أحمد زى إزدحمد»، من هو أحمد؟، ومن هو إزدحمد؟، الله أعلم، لكن بعد فترة تذكرت المثل، وحاولت بكل المتاح أن أعرف من هو المدعو «إزدحمد»، اتصلت بالعديد ممن يعيشون فى القرى، والعديد ممن هم فى سن والدى وجدى رحمة الله عليهما، فجاءت الإجابة التى تلقيتها واحدة: إن المثل ضرب لكى يؤكد أن فلاناً مثل ترتان.
لا أخفى عليكم، وبكل صراحة لم أقتنع بالإجابة، صحيح المعنى الظاهر من المثل هو أن فلان مثل علان أو ترتان، لكن المؤكد أن هناك معاني أخرى خفية للمثل، وأغلب الظن أن المعاني المسكوت عنها مختبئة فى كلمة «إزدحمد».
وضعت لنفسي عدة محاور لكي اتبعها فى بحثى عن المعنى المسكوت عنه فى إزدحمد، وكانت كالتالى:
ــ إزدحمد: بمعنى: سى أحمد.
ــ إزدحمد: بمعنى: سيدى أحمد.
ــ إزدحمد: بمعنى: الأستاذ أحمد.
وبدأت فى تحليل كل مفردة تاريخياً وثقافياً واجتماعياً، وبعد فترة ليست قصيرة من البحث والفحص والتحليل، وتقمص صفة المفكر والباحث والمحلل، اتضح لى، حسب فهمى وتأويلى، أننى يجب أن أرتب الكلمات (سى، وسيدى، والأستاذ) حسب الأقدمية التاريخية، وأن أرتبها كذلك حسب الدلالة الاجتماعية، فاتضح أن أقدم الكلمات، هى كلمة «سيدى»، وهى إما أنها ذات دلالة دينية، أو أسرية أو طبقية، ففى الدلالة الدينية ترتبط بالأئمة والمشايخ أصحاب المقامات، فالمصرى بطبيعته كان ومازال يسيد الأئمة، فيقول سيدى أحمد البدوى، وسيدنا الحسين، وستنا نفيسة، أما الدلالة الأسرية فيقصد منها الجد للأب، والجد للأم، حيث كنا نناديهما بكلمة سيدى ونتبعها بكلمة الحاج، سيدى الحاج بسيونى أو سيدي فلان بدون حاج، وبالنسبة للدلالة الطبقية فهى تعود لأسيادنا الذين عمل معظم أجدادنا فى عزبهم وأراضيهم خلال عصر الإقطاع، إبان العصر العثمانى والمملوكى، حيث كان العامل والفلاح ينادى مالك الأرض بكلمة سيدى، وأذكر فى طفولتي أن العمال الذين كانوا يعملون فى منزل وأرض جدى الحاج «بسيونى» رحمة الله، كانوا ينادونه بسيدى «الحاج»، ولا أذكر هل كانوا يستخدمون كلمة سيدى لأنه كان فى عمر جدهم، أم لأنه كان سيدهم الذى يعملون فى أرضه؟، والذى أذكره كذلك أن بعض الشباب والأطفال، كانوا يستخدمون كلمة سيدي مع من هم فى سن جدهم، ومن هو فى عمر والدهم ينادونه: أبا «الحاج».
بعد أن انتحلت صفة المحلل والمفكر والمثقف، حاولت أن أدخل المعانى التى توصلت إليها على المثل، ولكن للحق اكتشفت أنها نشاز، وأن هناك رواية أخرى للمثل كان يجب أن ألتفت إليها وأتذكرها من البداية، وقد كنت أسمعها فى القرية، مثل السابقة، لكنهم يضفون فى بدايتها كلمة «الحاج»، وهى: «الحاج أحمد زى إزدحمد»، وهذه الرواية تؤصل أكثر للبعد الدينى فى الدلالة، كما انها تنفى عن إزدحمد الدلالة الدينية، وتميل بإزدحمد إلى الدلالة الاجتماعية، بمعنى أن من ضربوا المثل قصدوا بإزدحمد كلمة «الأستاذ».
والملفت فى هذه الرواية الثانية أنها تساوى بين الدينى والعلمانى أو المدنى، بين «الحاج» وبين «الأستاذ»، الحاج «أحمد» مثل «إزدحمد»، لماذا ربطوا بين الدينى والعلمانى؟، ومتى توصلوا إلى هذه الرابطة؟، هذا ما يحتاج منا إلى بحث تانى فى أحمد وإزدحمد، يا ريت تتحملوا شوية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف