سناء السعيد
هل يتم دحر أمريكا فى العام الجديد..؟
واشنطن زرعت الإرهاب فى المنطقة وأوكلت له مهمة تدمير دولها
ترسيخ الطائفية عمدا وصولا لتقسيم العراق
بإعدام صدام خسر العراق الكثير وأول ماخسره الأمن والاستقرار
دعوة البرزانى مؤخرا للاستفتاء حول استقلال كردستان بداية سيناريو التقسيم.
ونحن نودع العام الجارى ونستعد لاستقبال عام جديد بعد غد فإن الآمال تتطلع إلى أن ينعم الشرق الأوسط بالاستقرار ويتم استئصال شأفة الارهاب ممثلا فى داعش وغيره من منظمات الارهاب الظلامى التى حولت المنطقة إلى ساحات للابادة والقتل على الهوية. نأمل فى أن يكون العام الجديد عام نجاح ونماء على مختلف الأصعدة. نهاية العام الجارى تستدعى الذكرى التاسعة لاعدام الرئيس العراقى «صدام حسين» فى الثلاثين من ديسمبر 2006 صبيحة عيد الأضحى المبارك.لقد كان الاعدام إحدى نتائج الغزو الكارثى للعراق الذى قادته أمريكا بالتحالف مع بريطانيا فى 20 مارس 2003 لتستمر القوات الأمريكية رازحة على قلب العراق حتى 18 ديسمبر 2011.وامعانا فى تنفيذ أجندتها فى المنطقة زرعت نبتة الارهاب وأوكلت له مهمة تدمير دولها بحيث لايكون أحد بمنأى عن شروره.
وتتصاعد الآمال فى أن يكون عام 2016 عاما زاخرا بالعطاء والحب والتآلف والتآزر بعيداً عن جرثومة الفتنة الطائفية التى رسختها أمريكا فى المنطقة منذ أن غزت العراق وأن نشهد عاما جديدا عن حق واجهة ومحتوى يتم من خلاله دحر الارهاب كلية وازالة هذه الغمة المتمثلة فى داعش الذى لطخ هو وشركاه سمعة الاسلام وشوه صورة الأمة ككل.نعم غزو أمريكا للعراق كان البداية التى مهدت الأرضية لظهور الارهاب واستفحاله ولترسيخ الفتنة الطائفية فى العراق أولا وامتدادها بعد ذلك إلى سوريا وليبيا ومصر واليمن ولبنان لتأكل الأخضر واليابس. ولم تعدم أمريكا الذريعة لاجتياح العراق، فكان أن ادعت امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل رغم أن الأمم المتحدة ومفتشى الأسلحة الدولية لم يجدوا دليلا على وجودها. كما ادعت دعم النظام لتنظيم القاعدة ولم يتم العثور على دليل يثبت وجود أية علاقة من هذا القبيل.ورغم ذلك تحرك بوش الصغير تجاه غزو العراق عندما أقر نشر قوات أمريكية فى منطقة الخليج. وفى يناير 2003 أكد بوش أن بلاده مستعدة لمهاجمة العراق حتى دون تفويض أممى.
فى 17 مارس 2003 أمهل بوش صدام 48 ساعة لمغادرة العراق وبعدها بيوم أعلن الحرب على أرض الرافدين التى بدأت فى العشرين من مارس بغارة جوية حاولت استهداف صدام وقيادات عراقية أخرى تبعها اجتياح العراق انطلاقا من الكويت. وتم تصعيد الهجمات على بغداد ومدن أخرى وأعلن سقوط صدام.ليعقب ذلك تعيين «بول بريمر»حاكما مدنيا للعراق ليتخذ قرارا بحل الجيش. وفى يوليو أقرت ادارة بوش بأن لا صحة لمزاعم حصول العراق على يورانيوم من دول افريقية كما أشيع.
لقد أظهرت هذه الحرب للعالم افتقار القيادة السياسية الأمريكية القدرة على ضبط النفس، كما أظهرت نزوعها إلى استخدام القوة كأداة فى السياسة الدولية.ومن ثم اندفعت فى شنها وكأن الحرب أصبحت وسيلة عادية سيستقبلها الشعب الأمريكى دون أى معارضة.كان أمل امريكا أن تظهر من خلال الغزو وكأنها هى التى ستحدد النغمة التى سيسير التاريخ على هداها. وتم اختيار العراق ليكون الضحية الأولى لاسيما وقد كان هشا وقتئذ بعد أن خرج من حربين: الحرب مع إيران وحرب غزو الكويت.ولقد أراد بوش أن تكون حربه فى العراق نموذجا للتأكيد على قدرة بلاده فى تحقيق نصر سريع وحصد النتائج واثبات اليد الطولى للقوة العسكرية الأمريكية. غير أن الانسحاب من العراق جاء ليشكل نهاية لفكرة الهيمنة الأمريكية اعتمادا على القوة.
ولاشك أن نتائج الغزو كانت كارثية، فلقد تركوا العراق تعانى من انقسامات طائفية وعرقية وارتباك سياسى بعد الصراع الطائفى الذى دفع البلاد إلى شفا حرب أهلية عام 2006 ، 2007.إنها أمريكا التى رسخت الطائفية عمدا وصولا لتقسيم العراق، فلم يكن هناك فتنة فى العراق بين السنة والشيعة قبل الغزو الأمريكى، ولم تكن هناك طائفية بل كان هناك التعايش والود بين الجميع. هذا فضلا عن أن الاحتلال لم يحقق للعراق ما ادعته أمريكا من الديموقراطية والرخاء. وعلى العكس تفاقمت عمليات الابادة والتخريب. وتحول العراق الذى كان القوة السياسية المؤثرة ومركز الثقل الثقافى المزدهر فى المنطقة إلى ساحة للتفجيرات وعمليات القتل الممنهج التى شكلت ملمحا للحياة اليومية. ولأول مرة رأينا مبانى المدينة متداعية تتناثر فيها القمامة ويغلف المدينة التراب والدخان والبطالة وعدم الاستقرار الأمنى ونقص فى المياه والكهرباء.
إنها حرب أمريكا القذرة التى ضيعت العراق وضيعت معه المنطقة من خلال نبتة الارهاب الظلامى التى زرعتها من أجل أن تخوض حربا بالوكالة نيابة عنها تسقط من خلالها الأنظمة لتسود الفوضى وينعدم الأمن وتتصاعد الصراعات على وقع الفتن الطائفية التى سلطتها أمريكا على المنطقة. ولهذا يظل البون شاسعا بين الحقبة التى حكم فيها صدام حسين والحقبة التى هيمن فيها الاحتلال، فالقياس مع الفارق. ويستدعى لى هذا لقائى بالرئيس صدام فى الأول من مايو 1988 بعد الانتصار فى حرب الفاو مع إيران. يومها أجريت معه حديثا لمجلة المصور. جاء كلامه كوثيقة تطهيرية تحدث خلالها عن الحرب مع إيران التى أشعلتها أمريكا. وكان قد أتيح لى اللقاء به قبل ذلك فى حفل عيد ميلاده الذى يصادف 28 إبريل. وكان ياسر عرفات والقيادى الفلسطينى صلاح خلف فى صدارة من حضر المناسبة ، فلقد كان صدام مسكونا بالقضية الفلسطينية. يومها رأيت صدام على حقيقته. شخصية نافذة قوية جامعة مانعة، فهو مزيج من الحسم والعزم والتواضع والمرونة والصلابة والارادة والاقتدار. تمتع بحضور طاغ وذهن ثاقب. أما قدرته على اتخاذ القرار فتظهر بجلاء عندما يتولى الاجابة عن أى سؤال. كان ينتقى كلماته بسلاسة لتبدو لك بين السطور حكمته ودبلوماسيتة البليغة. إنه عن حق السهل الممتنع.
كم حز فى نفسى مشهد اعدامه فى الثلاثين من ديسمبر 2006 .يومها وقف الرجل شامخا. لم يعتره الخوف ولم يسكنه الوجل. استشهد على يد جلاديه فخسر العراق كثيراً بموته. خسر التعايش الرحيم بين الطوائف، وخسر الأمن والاستقرار، وبدأت نغمة التقسيم تطفو على السطح. وتجلت مؤخرا ومع نهاية العام الجارى فى الدعوة التى وجهها «مسعود البرزانى» إلى الأحزاب لاجراء استفتاء حول استقلال إقليم كردستان فى العام المقبل وهى بلا شك دعوة من أجل تقسيم العراق وفرض ذلك كأمر واقع. ومن ثم أقول الحذر ثم الحذر كى لايبدأ سيناريو تقسيم دول المنطقة إلى كانتونات ودويلات وهو المشروع الأمريكى الآثم الذى يهدف فى النهاية إلى أن تصبح الهيمنة للكيان الصهيونى الغاصب.