عباس الطرابيلى
هموم مصرية شعب غاوي.. تسالي!
وقفت طويلاً أمام خبر يتحدث عن سلع نستوردها.. هي فعلاً غير ضرورية ولكنها حقيقة واقعة!
الخبر يقول انه رغم موجات الغلاء والأزمات الاقتصادية فإننا أكلنا مقرمشات مملحة وتسالي تصل قيمتها إلي 5500 مليون جنيه.. بالذمة ده كلام! بل ان سوق المقرمشات المملحة سجل نمواً بنحو 11٪ خلال عام.. وكنا زمان نسخر من تزايد عدد المقاهي حتي قلنا انه بين كل مقهي ومقهي يوجد مقهي آخر! فهل ذلك لعشق المصري الجلوس في المقاهي والهروب من النكد داخل البيوت؟
وزمان انتشرت ظاهرة «المحمصة» أو المقلي التي تحمص اللب والحمص والفول السوداني.. فقد كانت هذه التسالي تدخل بيوتنا.. واشتهر الشعب المصري بعملية «قزقزة اللب» أسمر وأبيض وخشابي.. مع الدوم ومص القصب.. والتسالي لها مواسم.. إذ إن تسالي الصيف غير تسالي الشتاء.. الأولي يكثر فيها الملح الذي يفقده الجسم مع عرق الصيف.. والثانية يكثر فيها المواد السكرية حتي ولو كانت مجرد شوية حمص أو فول سوداني.. وان عرف شعبنا طعم أبو فروة أو «الكستن» وهي ثمار تنمو في شمال أوروبا.. وأيضاً في الصين.
<< ولكل شعب «تساليه» إخوتنا في الشام «سوريا ولبنان وفلسطين والأردن» تعشق الفسدق واللوز وعين الجمل، فالفسدق الحلبي هو الأشهر والأطعم..ويتم تحميصه بالملح، أو بالليمون، أو البرتقال، واللوز يأكله الشوام وهو أخضر كما نأكل نحن- في شم النسيم- الحمص قبل تمام نضجه ونطلق عليه هنا «الملانة» ويستخدمونه أيضاً في صنع الحلوي الشامية الشهيرة.. وحديثاً عرفنا الكاجو وهو نوع من المكسرات التي تزرع بكثرة في الهند، تماماً كما يكثر زراعة الفسدق في إيران والجمهوريات السوفيتية السابقة.. وأيضاً في أمريكا وإذا كانت حبات الفسدق الأمريكي هي الأكبر.. فإن الحلبي هو الألذ.
<< وأتذكر هنا واقعة تكشف لنا كيف اننا- نحن شعوب الشرق الأدني الإسلامي- نعشق هذه التسالي، ذلك انه حدث في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، ان كانت هناك جالية فلسطينية كبيرة تعيش في ألمانيا، تنال عطف ومساعدة أدولف هتلر، الذي كان قد بدأ حربه ضد اليهود، أقول حدث ان نجح هؤلاء الفلسطينيون في إنشاء مقر، أو مكتب، للنضال الفلسطيني ووجهوا الدعوة إلي «هتلر» لافتتاح هذا المقر.. وتكريماً للزعيم الألماني جاءوا بصينية من الفضة وضعوا عليها كميات كبيرة من الفسدق بقشره وكذلك اللوز وعين الجمل وأنواعاً مختلفة من اللب، وتقدمت طفلة فلسطينية من «هتلر»، ومجاملة منه مد يده «وكبش» كمية من كل هذا الخليط ثم وضعها كلها في فمه مرة واحدة وأخذ يمضغها! هنا تقدم منه الشيخ أمين الحسيني وكان كبير أبناء الجالية لينقذ الموقف ويشرح لـ«هتلر» كيف يأكل هذه التسالي.. وكيف يمسك بحبة اللب ويحاول تقشيرها قبل أن يأكلها! هنا توقف «هتلر» وقال: الآن فقط عرفت كيف يهدر العرب أوقاتهم.. بتناول هذه التسالي!
<< وفي تركيا يأكلون كيزان الذرة- علي ضفاف البوسفور- مسلوقة في سائل ملحي في الصيف.. لتعويض ما يفقده الجسم من أملاح مع العرق ويأكلون الذرة مسلوقة في سائل سكري بحثاً عن الدفء حيث البرد شديد هناك، في الشتاء.
أما نحن فكنا نكتفي في الشتاء البارد بتناول البطاطا المشوية والمسلوقة أو السوداني.. أو حتي التمر الحجازي الملدن، أو القادم من البصرة بجنوب العراق.
<< وأسوأ عاداتنا- مع التسالي- نجد جلسات اللمة أمام أجهزة التليفزيون ليس فقط في أيام مباريات كرة القدم.. ولكن أيضاً في سهرات زمان مع حفلات «أم كلثوم» مساء أول خميس من كل شهر.. أو مع سهرات المسرحيات وغيرها.. والمؤلم اننا الآن نستورد بعض المقرمشات من الصين.. وكلها مصنوعة بأصباغ صناعية مجهولة المصدر.. تضر أكثر مما تنفع.. وكلها أصباغ وألوان.. ومعها نوع من اللب الخشابي «السوري» الذي كنا نقدمه طعاماً للطيور وبالذات البغبغاوات.
وياليتنا كنا ننتج بعض هذه المقرمشات المملحة داخل بلادنا.. فنحن لا نعرف ولا ننتج إلا بعض أنواع اللب والفول السوداني.. أما باقي التسالي فإننا نقوم باستيرادها من كل دول العالم.. وبذلك تتحمل الدولة مشاكل تدبير حوالي 5000 مليون جنيه كل عام لاستيراد هذه التسالي والمقرمشات..ألسنا نحن شعب الشيبسي وكل بطاطس محمرة وغيرها مما يضر ولا ينفع.. أما هم- في الغرب- فليس في حياتهم إلا بعض أنواع البسكويت أو الكريكرز التي تقدم مع شاي الساعة الخامسة مساء كل يوم وبالذات في المجتمع الانجليزي!
<< ألسنا نعيش عصراً من إهدار ثرواتنا بلا أي داع إلا التسالي وياليتها كانت تعطينا شيئاً نفخر به.. وهنا أستعيد مقولة «هتلر» وهو يقول للشيخ أمين الحسيني، مفتي فلسطين التاريخي، الآن فقط عرفت كيف يهدر العرب أوقاتهم.