البديل
عبد الفتاح ماضى
النضال الطلابي في دولة الاستبداد
هذا الأسبوع تم إلغاء انتخابات اتحاد طلاب مصر؛ لأن الصناديق أتت بمستقلين وهزمت كل محاولات الترهيب والترغيب من قبل الأجهزة الأمنية لهندسة الانتخابات، لصالح طلاب تابعين للنظام. ومنذ أسابيع قليلة انتهت ما أطلق عليه انتخابات البرلمان بعد أن قامت الأجهزة الأمنية بإعداد الأمر من الألف الى الياء، أي من القوانين والاجراءات المنظمة إلى إعداد القوائم وإعلان نسب حضور لا تمت بصلة للجان الخاوية وعزوف الشعب، واليوم تحاول ذات الأجهزة إعداد قائمة لدعم النظام من الشتات الذي تم جمعه داخل البرلمان، لتقوم هذه القائمة بالدور الذي كان يقوم به الحزب الوطني السابق، أي التصديق على رغبات النظام الحاكم وإسباغ قدر من الشرعية عليه أمام العالم الخارجي، باعتبار انه لا يوجد دولة حديثة بلا برلمان.

المشكلة التي يقع النظام وأجهزته الأمنية فيها هي محاولة الجمع بين نقيضين لا يجتمعان أبدا في وقتنا الحاضر. هم يظنون أنه بالإمكان فعل ما كان يفعله مبارك، والذي كان يمثل نظاما تسلطيا يعتمد على آلية الحزب المسيطر مع معارضة رسمية شكلية ومخترقة، ونظام مبارك هذا شكل معروف من أشكال نظم الحكم ويظهر نتيجة تطور تاريخي لنظام الحكم الفردي أو الشمولي أو العسكري. النظام التسلطي لا يعتمد المباراة الصفرية في حكمه، وهو ليس نظاما قمعيا بالمطلق ولا يجرم المعارضين بالمطلق ولا يحتكر الحياة السياسية بالمطلق.

أما ما نحن فيه الآن فهو النظام الأسوأ بين أشكال أنظمة الحكم: قمع شبه مطلق وقتل الآلاف واعتقال عشرات الآلاف وتعذيب واختفاء قسري وتلفيق تهم ومطاردة الشرفاء واحكام مسيسة وإفساد مؤسسات الدولة وتخوين كل من لا يؤيد النظام، بجانب آلة دعائية تروج لرواية كاذبة تدعي الحفاظ على الدولة من السقوط وتغسل عقول البسطاء وبعض الذين هددت ثورة يناير امتيازاتهم من وجهة نظرهم. فضلا عن تحالفات خارجية مع كل خصوم الثورات العربية تقريبا في الشرق والغرب.

هذا النمط من الحكم يتصور أنه من الممكن في ذات الوقت الجمع بين هذه الصورة القاتمة من الحكم وبين الواجهات الديمقراطية من دستور وانتخابات عبر عمل الأجهزة الأمنية بالترهيب والترغيب، وفي ظل تعاون أو صمت قطاعات من الشعب لا تعرف أن بقاء هذه المنظومة يعتمد في الأساس على هذا التعاون أو الصمت.

جمع النقيضين (الاستبداد والواجهة الديمقراطية) كان ممكنا في النظام التسلطي لكنه فشل في النهاية أيضا وقامت ثورة، أما في النظم البوليسية القمعية فجمع النقيضين غير ممكن، وغالبا ما تنتهي هذه النظم بثورة أو عصيان أو حرب أو انقلاب أو بغزو خارجي. هذه من أبجديات علم السياسة وعلم التغيير السياسي لمن يؤمن بوجود هذه العلوم.

اليوم الدول الحديثة تحكم بنوعين رئيسيين من النظم يعرفهما طالب السنة الأولى في أقسام العلوم السياسية:

الأولى: نظم مستبدة بجميع أنواعها من نظم فردية أو شمولية أو عسكرية أو بوليسية. ومصير هذه النظم يكون في الغالب يكون إما الانهيار بالانقلاب أو الثورات، وإما البقاء لسنوات أو عقود لكن مع بقاء دولها دولا ضعيفة وفاشلة حتى تنهار في نهاية المطاف بحروب أهلية أو عصيان مسلح أو غزو خارجي، وإما تتطور وتنفتح قليلا بعامل الوقت لنظم تسلطية تكون نهايتها مؤلمة ولو طال الزمان.

الثانية: نظم ديمقراطية بأشكالها المختلفة من برلمانية أو رئاسية أو شبه رئاسية أو توافقية، لكن في كل هذه الأنواع يكون الحكم للمدنيين وتكون الحريات مصانة، ويتحاكم الجميع على قدم المساواة إلى دستور محترم وقوانين منصفة ودولة مؤسسات. في هذا النوع تكون الدولة قوية والجيوش قوية؛ لأن المجتمع يكون قويا بقيمه ومؤسساته وبقدرته على توظيف الخبراء والعلماء.

الديمقراطية في واقع الأمر تحمي الدول من الانهيار وتقوي الجيوش بدلا من الجيوش الطائفية أو شراء ولاءات الناس وزرع الامتيازات والفساد، وذلك على عكس ما تروج الدعاية الرسمية عندنا وأشباه المتعلمين كون تحقيق مطالب الثورة في الكرامة والحريّة والعدالة سيؤدي إلى هدم الدولة وتقسيم الجيش.

الاستبداد هو المشكلة السياسية، وهو أم المشكلات منذ خلق الله عز وجل البشرية، وتاريخ البشرية هو تاريخ الصراع بين الحرية والاستبداد. والفكر السياسي يدور في جوهره حول حماية الحريات وتحقيق العدالة والحد من الاستبداد والظلم. والديمقراطية حل واحد مجرب تاريخيا وليست منتجا غربيا صرفا، وليست نهاية الطريق وليست معصومة من الخطأ لكنها تسمح للعقول بتطوير النظام وتعديله استجابة للمتغيرات والمستجدات.

وتاريخنا الحديث في مصر منذ القرن التاسع عشر هو أيضا تاريخ النضال من أجل هدفين أساسيين: تحقيق الاستقلال الوطني، واقرار دستور ديمقراطي وحياة ديمقراطية سليمة تحترم كرامة المصريين وتخرج إبداعاتهم وتسمح لعشرات أو ربما لمئات الالاف من العلماء المصريين المهاجرين بالعمل في وطنهم وتحقيق نهضته كما فعلت شعوب الارض الاخرى.

والطلاب كانوا منذ ذلك التاريخ في طليعة القوى الوطنية الضاغطة من أجل تلك الأهداف، وسيظل الطلاب يناضلون تحت كل الظروف. وإنني أدعو كل من يتصور أن من الممكن قمع الطلاب أو الالتفاف على مطالبهم أن يقرأ كتاب واحد في تاريخ نضال الطلاب وأن يقرأ كتابا واحدا في تغيير نظم الحكم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف