البديل
مايكل عادل
عملاء ولكن ظرفاء
بمجرد استشهاد المناضل “سمير القنطار” بدأ أنصار مبدأ “وجهة النظر” أصحاب المنطق الغربي في الهجوم على الرجل وسبابه، ونفس الأشخاص حينما مات “زهران علّوش”، قائد تنظيم “جيش الإسلام” ورجل المخابرات السعودية في سوريا، ارتدوا ثوب الإنسانيّة المعذّبة في الأرض، وبدأ كل منهم يتحدث عن عدم الشماتة في الموت.

في الواقع كان المتحدثون عن رفض الشماتة في الموت بعد أن ألفوا في سباب القنطار عقب استشهاده قواميس ومعاجم في فنون الشماتة، كان هؤلاء هم الأكثر خجلاً واختباءً بين أنصار الدور السعودي القطري في سوريا، وبشكل أكثر شمولا يمكننا أن نقول أن هناك من أيتام الدعم الخليجي التركي من نعوا إلى جماهيرهم قائد من قيادات ((الثورة السوريّة)) والذي قتلته الغارات الصليبية على الأراضي السوريّة.

من العجيب أن يكذب الإنسان لسنوات متواصلة نفس الكذبة بنفس الإصرار، ولكن الأعجب هنا هو أن يتعايش الكاذب مع كذبته إلى هذا الحد، فهناك دائماً حد أدنى من التصالح مع النفس يجب أن يتوفر كي يستطيع الإنسان مواصلة حياته والنظر في مرآته بشكل يومي، وخاصة إن كان الأمر هنا يتحدث عن مناضل من طراز أميركي، مصنوع غربياً للجلوس على حمامات السباحة في تركيا صباحاً، وعقد مؤتمرات ظهراً والحديث في بارات اسطنبول وأنقرة ليلاً عن معاناة شعبه من ديكتاتوريّة الحاكم. لا بد أن يحافظ هذا المناضل على شيء من قواه العقليّة واتزانه النفسي حتى لا نراه يوماً ما لا يستطيع السيطرة على حركة ملامح وجهه أمام المرأة، كما رأينا وليّ نعمته من قبل في ذات الموقف.

ادّعى أنصار الحرب الأهليّة السوريّة، وتحديداً أنصار الطرف التكفيري، أنهم ثوّار من أجل الحق والحريّة والديمقراطيّة، وقد صدّق الغرب على ادّعائهم ووجدوا بين الشباب في البلدان العربيّة من يسميهم ثواراً. إلى هُنا لا يوجد في الأمر شيء، فمن حقك أن تخلق لنفسك منتجاً تبيعه، ومن حقك أيضاً أن ترى المُستهلِك الذي سيبتاعه حتى وإن كان مغفلاً إلى درجة أن يرى في الجولاني أو علوش التكفيريين نصيرين للحريّة والديمقراطيّة، ولكن دعونا نفترض أنه أمرٌ طبيعيّ، العجيب هُنا بالفعل هو أن يصرّ هؤلاء على الوقوع في التناقض بقلوب وأقدام ثابتة لا تهتز، إلى درجة أن يسبّوا من قتلته النيران الصهيونيّة بالأمس، ويترحّمون على من كان ظهيراً للصهاينة اليوم حينما قتلته غارة جويّة سوريّة كانت أو روسيّة.

فنحن بالفعل نعيش مع أنواع من البشر تطلق وصف النضال على الصفوف التي تضم إسرائيل، لمجرّد تصفية حسابات طائفيّة مع طرفٍ يقاوم إسرائيل. بالفعل يعيش معنا من يقولون أن زهران علّوش مناضل ثوريّ، بينما سمير القنطار الذي قضى عمره في سجون الاحتلال، واستشهد بنيرانه يطلقون عليه السباب والسفالات متعددة المصادر واللغات من العربية للعبرية للتركيّة.

في الحقيقة فإن الأمر هنا ليس تناقضاً لأن العقل البشري لا يمكن أن يرجع للوراء، ولا يمكن أن نكون في عام 2015 وهناك من لا يستطيع رؤية الشمال من الجنوب أو يخلط بين الشرق والغرب، فهؤلاء أقصى أمانيهم أن ننعتهم بالغباء بدلاً من أن نصفهم بالعِمالة، وفي حقيقة الأمر أيضاً أنهم ليسوا عملاء، فالعميل يتولى تنفيذ مهمة محددة في مقابل المال، بينما هؤلاء يحاربون ميدانياً نيابة عن قوى استعماريّة فلا يجوز أن نطلق عليهم سوى “مرتزقة”، وظيفتهم خلط الحابل بالنابل وجعل الحق محل تساؤل والباطل محل جدال، يريدون وضع القضية فوق مائدة حوار تمتد من أنقرة شمالاً إلى الرياض جنوباً، ومن تل أبيب شرقاً إلى واشنطن غرباً، يريدون تكتيف جسد الوطن لذابحيه وسط صيحات التكبير والهتاف للحرية التي يريدون تحقيقها تحت سيوف داعش وأسواط النصرة بأموال دولة أسماها مؤسسها على عائلته والده كأنه يفتتح وكالة لبيع الأقمشة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف