الأهرام
جمال عبد الناصر
اعرف قدرك
خلق الله تعالى الإنسان وجعل له قدرة محدودة مهما أوتي من قوةٍ أو علمٍ أو منصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ، فمهم جدًّا أن يعرف الإنسان قدره، كي لا يتجاوز حدوده فيزل ويقع في المحظور ويدخل في متاهات لا قبل له بها.
يقول ربنا سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً * وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً}[الإسراء: 36 -37]، لقد توقفت عند هاتين الآيتين، ولفت نظري الحديث عن محدودية القوى العقلية للإنسان، وكذلك يتلوها الحديث عن محودية القوى البدنية له أيضًا.


قال ابن عباس: لا تقل، وقال العوفي: لا ترم أحدا بما ليس لك به علم، وقال محمد بن الحنفية يعني شهادة الزور، وقال قتادة: لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمتُ ولم تعلم؛ فإن الله سائلك عن ذلك كله، ومضمون ما ذكروه جميعًا أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال كما قال تعالى: {اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم}[الحجرات: 12]، وفي الحديث "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"، وفي سنن أبي داود "بئس مطية الرجل: زعموا"، وفي الحديث الآخر "إن أفرى الفرى أن يري عينيه ما لم تريا"، وفي الصحيح "من تحلم حلما كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد".
وقوله سبحانه: {كل أولئك} أي هذه الصفات من السمع والبصر والفؤاد {كان عنه مسئولا} أي سيُسأل العبد عنها يوم القيامة، وتسأل عنه وعما عمل فيها.
فعلى كل إنسان أن يتثبت قبل أن يقول، وألا يقول إلا بما يتأكد من صحته، ولا يكذب في حديثه ولا يحكم بالظن، هذا منهج علمي علمنا إياه القرآن الكريم، وهذا يمنع الإنسان من أن يغتر بنفسه وقدراته لأنه مهما أوتي من معطيات علمية فعلمه محدود مصداقًا لقوله سبحانه: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}.
وليست القدرة العلمية هي المحدودة في الإنسان فقط، بل القدرة البدنية أيضا، حيث نهى القرآن الكريم الإنسان في الآية التي بعدها أن يسير في الأرض مرحا متفاخرا متعاليا على بني جنسه؛ فإنه مهما أوتي من قوة فلن يبلغ نهاية الأرض مشيًا على الأقدام {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} فأنت أيها المخلوق الضعيف في ملكوت الله الكبير لن تبلغ بك قواك البدنية إدراك نهاية هذه الأرض الكبيرة مشيًا ولن تطاول الجبال شموخًا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف