وذهبت إلى لقاء زوجة العزيز الغالى.. السفيرة العظيمة فى السلك الدبلوماسى.. أقدم قدما وأرجع أخرى.. فأنا طول عمرى دوغرى وحقانى واللى فى قلبى على لسانى ـ كما تقول نور الهدى المطربة فى أفلام فريد الأطرش فى الزمن الذى راح وانتهى ــ ولم أنس بالطبع أن ألبس «اللى على الحبل كله» كما يقولون.. وزنقت عنقى برابطة عنق غصباً عنى.. فأنا لا أحب رباط العنق الذى نطلق عليه الاسم الخواجاتى «كرافات» فأنا الآن فى مهمة دبلوماسية.. وإن كانت فى الأول وفى الآخر مهمة عائلية لتقريب «ذات البين» بين زوج وزوجته كما يقولون فى قاموس اللغة العربية الفصحى بتاعة عمنا «سيبويه»..
■ ■ملحوظة من عندى: أعتذر هنا لعمنا سيبويه لأننى ألصقت باسمه المبجل كلمة عامية بحتة!
كان اللقاء كما طلبت هى ـ أقصد سيادة السفيرة المبجلة ـ فى النادى الدبلوماسى ولكنى حولته بعد إلحاح منى إلى حى الحسين.. على «مقهى الأفنديه» الشهير قبالة المقام الحسينى لزوم حصد البركات والدعوات.. والابتعاد عن عيون الرايح والجاى.. ولكى أتخلص أنا من قيود النادى الدبلوماسى فى الانحناء والكلام المنمق والمزوّق وبروتوكول الأكل بالشوكة والسكين وعدم المصمصة فى الكوب وانت تشرب منه.. والكلام بصوت واطى يكاد يكون همساً.. ولا تنسى أن تلبس قناع الوجه المبتسم حتى لو كان عندك مغص أو قرف أو حتى حالة «فلس»!
والأخيرة حالة مستعصية وقد اكتشفت أننى لست وحدى المصاب بها، بل كل المصريين أمثالى تقريبا.
أول كلمة قالتها حضرة السفيرة: المكان جميل جدا جدا جدا.. وكررت كلمة جدا ثلاث مرات.. ولكن غير منظم وزحمة وزيطة.. وهرجلة.. على فكرة الكلمة دى سمعتها كتير معناها إيه؟
قلت لها: يعنى مافيش نظام.. قالت: بالضبط.. وهيصة ودوشة كمان.. تعالى ندخل جوه أحسن.
قلت لها: سيبك يا حضرة السفيرة من المكان ده كله.. وتعالى نروح فى حتة هادية جوه خان الخليلى!
تسألنى: وهو فيه حتة هادية في الحسين اللي صاحى ليل نهار ده؟
قلت لها: عند صديقنا سمير مترى.. مدير مقهى نجيب محفوظ الذى يديره فندق الميناهاوس.. مكان شيك وهادى وشرقى مصرى صميم.. وحيعجبك!
وذهبنا وجلسنا بعد وصلة ترحيب من صديقنا سمير مترى.. قالت لى: على فكرة اطلب اللى انت عاوزه أنا اللى عازماك؟
قلت لها: ودى تيجى يا حضرة السفيرة؟
قالت: سيبك من المجاملات دى.. احنا موش كنا فى يوم من الأيام زمايل في جامعة واحدة.. وفرقت بينا الأيام..
قلت مقاطعا: لحد ما خطفك من وسطينا زميلنا وصديقنا العزيز واتجوزك.. آسف أقصد اتجوز حضرتك..
قالت: سيبك من الحوار الدبلوماسي ده مش وقته.. ولا مش مكانه.. تعالي نرجع إلى أيام زمان لما كنا زملاء في جامعة واحدة.. وعلى فكرة أنا عازماك النهاردة عشان تعرف تتكلم وتاخد راحتك وتقول اللي عندك كله!
قلت لها: يا ملكة الدبلوماسية كلها.. يا سليلة عائلات الصعيد الجواني بتاع الباشوات والبهوات بتوع زمان.. ليه بس تنكدي على الراجل صاحبنا.. ويشتكي منك انك بتعامليه من فوق لتحت؟
تسألني: يعني إيه من فوق لتحت دي يا جراح القلوب الموجوعة على الورق؟
قلت لها: حلو قوي الوصف ده.. لكني أنا هاخش في الموضوع من غير مقدمات دبلوماسية.. الراجل جوز حضرتك مش حاسس إنه متجوز واحدة ست عادية.. متجوز زي ما هو قالي بالضبط الملكة نفرتاري مرات رمسيس التاني!
قالت: حتة واحدة! قلت: هو قاللي إنك مش حاسة بيه.. مش حاسة بوجوده في حياتك بالمرة!
تسألني: إزاي؟.. قلت: بيقول.. هو اللي بيقول: الأكل بميعاد محدد وعلى السفرة ولازم السفرة تبقي مترتبة ومتوضبة وكل حاجة عليها بتبرق.. يعني مش نظيفة وبس.. مش بس كده؟
قالت: وإيه كمان؟.. قلت: كل شيء عندك بميعاد ويمكن كمان بميعاد سابق.. الأكل والنزول والزيارات حتى النوم.. بميعاد!
قالت: مش فاهمة؟
قلت: يعني بصراحة كده هو حاسس إنه متجوز نفرتاري واللا الملكة حتشبسوت.. ومش قادر يقرب منك.
قالت لي بمكر حواء: قل لصاحبك اللي عاوز حاجة.. ياخدها بأي طريقة.. الحب والجواز ما فيهوش استئذان.. أمال احنا خلفنا عيالنا إزاي.. جبناهم من عند العصفور على الشجرة.. صاحبك يا عزيزي بيدلع وبيدلل.. والجواز ما فيهوش لا دلع ولا دلال.. اللي عاوز حاجة.. من الست بتاعته ياخدها بأي طريقة.. بالذوق بالحيلة بالظرف بالكلام الحلو.. لكن غصب.. لأ.. بالعافية برضه.. لأ..!
هي مازالت تتكلم وتفضفض: لكن سيبك من ده كله.. اسأل صاحبك كده.. لما بنكون مسافرين في بلاد بره.. وأنا زي ما حضرتك عارف.. حضرة السفيرة المبجلة أو حتى القنصل العام.. يقوم صاحبك ييجي حفلة السفارة بالليل بقميص نص كم أحمر مسخسخ!
قلت لها: لا.. عيب طبعاً!.. قالت: وعاوزني ما أزعلش!
قلت: لأ.. تزعلي ونص!.. قالت: وهو بيشتكي إن بيته أصبح زي مقر السفارة بالضبط.. إيه العيب في ده.. إن بيته يبقي منظم ومرتب.. آية في الجمال والأناقة.. مش ده برده يتحسب له.. قبل ما يتحسب ليا.. أو يتحسب لينا احنا الاتنين!
قلت لها ونحن نتناول طعاماً شهياً: يا ست هانم صاحبي ده واخد على عيشة العذاب لما كنا ساكنين سوا في سطوح لعمارة في شارع السد في الجيزة.. وكنا بناكل على الأرض.. ونمشي عشان نوفر تمن الأوتوبيس واللا الترماي.. الواد صاحبي ده مش وش نعمة!
كلمات عاشت:«دبور زن على خراب عشه!» مثل بلدي صميم