مكرم محمد احمد
حقائق جديدة لم تعد تحتمل اللف والدوران!
تنطوى الأجندة المصرية فى عامها الجديد على عدد من القضايا الأساسية يتعلق معظمها باستمرار مشروعات التنمية بهدف خلق مليون فرصة عمل جديدة، تهبط بمعدلات البطالة التى جاوزت 12% على نحو ملموس، وتزيد قدرة مصر الإنتاجية على الوفاء باحتياجات شعبها، وتسد الفجوة الواسعة فى أزمة الغذاء الذى لا يزال يعتمد فى أكثر من 70% من احتياجاته على الاستيراد من الخارج!.
والواضح أن أولويات الأجندة المصرية تركز على عدد من المشروعات القومية الكبرى، أبرزها زراعة مليون ونصف المليون فدان جديدة وفق أحدث نظم الزراعة والرى، واستكمال العمل فى توسيع ميناء بورسعيد، وحسن استثمار مشروعات محور قناة السويس التى تتعلق بها آمال كبار بإمكانية تحسين جودة حياة معظم فئات الشعب المصرى على نحو فارق، واستكمال خطط تحديث شبكة الطرق القومية التى تقادمت وتآكلت بسبب غياب عمليات الصيانة، فى الوقت الذى تتضاعف فيه أعمال النقل فى بلد يلزمه موقعه الجغرافى الفريد على مفارق طرق العالم البرية والبحرية، تنشيط وظيفته اللوجستية جسراً يربط بين مصالح العالم وحضاراته شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً.
وبالطبع ثمة أولويات أخرى لا تقل ضرورة وأهمية، أخطرها دحر الإرهاب الذى يحاصر مصر بين فكين، الجبهة الشرقية فى سيناء والجبهة الغربية على الحدود المصرية الليبية، حيث تحاول «داعش» ترسيخ وجودها فى مدينة سرت فى أقصى جنوب ليبيا، وفى مدينة درنة على مسافة 70 كيلومتراً من الحدود المصرية، ومدينة سبراطة على الحدود التونسية التى تنطلق منها عمليات الإرهاب التى تستهدف تونس والجزائر، فضلاً عن طموحات «داعش» فى أن تسيطر على مدينة أجدابيا التى تشرف على حقول النفط الليبى وموانيه، إضافة إلى حماقات جماعة الإخوان فى الداخل التى تزداد رغم انقساماتها المتعددة شراسة وسعاراً، ولا تزال تتطلع إلى حلم مجنون فى 25 يناير المقبل يعيدها إلى شوارع القاهرة. بين الأولويات المهمة أيضاً، استكمال مسيرة الإصلاح المالى وتخفيف عجز الموازنة وإعادة الاحترام للعملة الوطنية وسد ثقوب الفساد ومطاردته دون رحمة، ولا يقل أهمية عن ذلك نهوض البرلمان الجديد بمهامه فى التشريع والرقابة على أعمال الحكومة على نحو مختلف، يفتح الباب لديمقراطية حقيقية يثريها هذا التنوع الخصب الذى يميز عضوية البرلمان الجديد، بوجود ممثلين كثر للمرأة والأقباط والشباب، ونواب عن أحزاب مصر المدنية جديدها وقديمها، يصرون جميعاً على رفض آليات قديمة يمكن أن تستنسخ من جديد برلمانات مبارك!. ولأن الطريق لا يزال شاقاً وطويلاً بسبب حجم الإرث القديم، وتراكم المشكلات التى ازدادت قسوة وتعقيداً، وتمادى جماعات الإرهاب فى ارتكاب جرائمها، يصر المصريون على بقاء ربان السفينة فى موقعه ثقة فى حسن قيادته وصحيح مقاصده بعد أن ملك قلوبهم حين عرفوه عن قرب واختبروه إلى العمق.. ولا أظن أنهم يمكن أن يسمحوا له بمغادرة المعركة قبل أن ينجز مهمته ويكمل مدته الدستورية التى نص عليه الدستور. ولأن المصريين تغيروا منذ ثورة يناير على نحو جذرى، وبأسرع من أية تغييرات يمكن أن تطرأ على شعب أفاق من نوم عميق ليجد نفسه فى مزاج مختلف بعد أن غادر الخوف من القادم، وأصبح أكثر ثقة فى قدرته على ضبط الأحداث والأيام، وملك إرادة صنع المستقبل بعد أن عسكر فى ميدان التحرير إلى أن سقط حكم مبارك، وخرج فى أكبر تظاهرة عرفتها البشرية يطالب بإسقاط حكم المرشد والجماعة ويسترد ثورته من سارقيها، ولم يعد زاده الفكرى والنفسى الرضا بالمقسوم، وإيثار السلامة، والاطمئنان إلى أن تنام مغلوباً خيراً من أن تنام غالباً. هذه حقائق جديدة تميز الشعب المصرى وتحكم توجهاته فى المستقبل، يدركها الرئيس السيسى جيداً، ولعلها تشكل أهم دوافعه إلى أن يغالب الزمن ويختصر مدد تنفيذ المشروعات.
صحيح أن تغيير حياة المصريين إلى الأفضل يحتاج إلى جهد عملى جبار يعيد بناء كل شىء من جديد، التعليم وخدمات الصحة ونهج الإدارة وسلوك البيروقراطية المتباطئ الذى يساعد على الإهمال والتسيب واللامبالاة، لكن الصحيح أيضاً أن مصر جاوزت مرحلة بناء الأساس بما يؤكد وجود ثوابت وحقائق جديدة لم تعد تحتاج إلى المزيد من النقاش والخلاف، فقط تتطلب صرامة التطبيق وجدية الالتزام والمتابعة، وتحديد جداول زمنية تلزم الجميع ضمان وصول الثورة إلى أهدافها الصحيحة كى تهدأ نفوس المصريين، وتطمئن بالاً على أن مصر على الطريق الصحيح.
مطلوب أولاً، جدول زمنى لإلزام كل مؤسسات الدولة وأولها أجهزة الأمن بالحفاظ على حقوق الإنسان المصرى بما يضمن إعلاء كرامته فى الشارع.. ومطلوب ثانياً، بعد أن وافق الشعب المصرى على الدستور الجديد بهذا الإجماع القوى، الشروع فوراً فى تنفيذ بنوده وإرجاء أى حديث عن تعديلات بعض بنوده، إلى أن يكتشف الجميع من خلال التطبيق أن هناك بالفعل ثغرات خطيرة تحتاج إلى تعديل.. ومطلوب ثالثاً، إنهاء الخصام المفتعل بين ثورتى 25 يناير و30 يونيو ليس من خلال حصاد جمعهما الذى يكاد يكون مستحيلاً!، ولكن بتجريم احتكار 30 يونيو من جانب أية شلة أو جماعة لأن جموع الشعب المصرى هى التى صنعت ثورة يونيو، وبالمثل رفض تقديس 25 يناير الذى يمكن أن تختلف حوله الاجتهادات بعد أن نجحت جماعة الإخوان المسلمين فى سرقة الثورة فى عز النهار، ومطلوب رابعاً، العودة إلى احترام تكافؤ الفرص على نحو صارم، لا يعطى الفرصة لأية استثناءات فى فرص التعليم والعمل والترقى لأن تكافؤ الفرص هو الحل الوحيد الصحيح لمداوات أمراض شبابنا وأظن أنه العلاج السحرى لكل مشاكلنا مع الأجيال الجديدة التى يمزقها صور عديدة من التمييز غير العادل، جعلت الجاه والثروة والوظائف إرثاً محتوماً.. مطلوب أولاً وأخيراً وقد جربنا حلاوة الانتخابات النزيهة، الإصرار على أن الديمقراطية هى الحل الصحيح لكل مشاكل مصر، نطلق حرية الاعتقاد والتعبير والبحث العملى ونقبل بنتائجها دون أن نلتف عليها، ولا نعود إلى عاداتنا القديمة التى كان يستهجنها شعب ذكى لماح يعرف الحقيقة ويفهمها وهى لم تزل وراء الحجب فى حالة طيران.