الجمهورية
عبد العال الباقورى
العرب والعدو الإسرائيلي في 2015 ــ 2016
اليوم نودع العام 2015. وغداً نبدأ عاماً جديداً. نستقبله بأحلام وآمال وتمنيات بأن يكون عاماً أسعد وطنياً وقومياً. ومصرياً. وعربياً. وبأن تتحقق فيه أهدافنا في التنمية والتقدم. وفي تحقيق العدالة الاجتماعية والحفاظ علي كرامة المواطن العربي وحرياته في كل الديار العربية. التي نتمني أيضاً أن تتراجع معاركها وصراعاتها. وأن تتوقف حروبها الأهلية. وبأن تقف صفاً مرصوصاً ضد الإرهاب وتقضي علي كافة الإرهابيين. وفي ظل معرفة عميقة وصادقة بمن هو العدو الحقيقي ومن هو صديق العرب حقاً.. وبين اليوم وغداً. وفي ظل جميع هذه الأمنيات. نقف كالمعتاد نلقي نظرة علي ما فات ونتطلع لما هو آتي. في ضوء إيمان لا يتزعزع ولا يلين بأن فلسطين قضية العرب الأولي. وهي "قلب" الأحداث في وطننا العربي. شاء من شاء وأبي من أبي. وبالتالي. فإن الكيان الصهيوني هو "العدو الأكبر" و"الأول" و"الأخطر" حتي لو هادن أو عاهد أو سالم. وهو يؤمن بهذا ولا ينكره.. لكن بعض العرب للأسف لم يعودوا يعبأون بهذا. بل يوجهون عداءهم الأول والأكبر إلي قوي أخري أجدر بأن تكون حليفة أو تأتي في المقام الثاني أو الثالث من العداء بعد العدو الصهيوني. وليس قبله.
وفلسطين التي أصبحت بالاغتصاب والعدوان.. إسرائيل تصلح معياراً ومقياساً من كل جوانبها تعبيراً عن الوضع العربي العام بما شهده في 2015 من نكسات وتراجعات من ناحية. وبما قد يكون شهده من انجازات.. فأيا كانت درجة التدهور العربي وأيا كان قدره إلا أن تلك الفترة الزمنية التي نصطلح علي تسميتها "عاماً" قد شهدت قدراً أو آخر من "الانجاز". حتي لو لم يكن كبيراً.
ولما كانت فلسطين ــ في ملتي واعتقادي ــ هي البؤرة والقلب ــ وفي القلب أيضاً ــ فإنها شهدت في حالة الجزر والتراجع العربي مقدمات حدث يقف علي أبواب انتفاضة. ربما ستكون "الانتفاضة الفلسطينية الكبري" منذ عرفت أرض فلسطين الانتفاضة في عشرينيات القرن الماضي إلي انتفاضة الحجارة في أواخر القرن وانتفاضة الأقصي والمقدسات في أوائل القرن الحالي.. ويقدم "نير حسون" شهادات "حية" عن تأثير انتفاضة السكاكين علي القدس. ويقدم أرقاماً ونسباً تعبر عن واقع توقف الأعمال في المدينة منذ بدء "الانتفاضة الحالية" حسب تعبيره و"حتي لو كانت عملية الدهس التي حدثت قبل أسبوع هي العملية الأخيرة في المدينة. فإن الأمر يحتاج إلي سنوات من أجل أن تعود الأعمال في القدس. بالذات في مجال السياحة. إلي ماكانت عليه قبل الأزمة" "هآرتس في 20 ديسمبر الحالي". حقاً. فلسطين يحمي حماها الشباب. وهاهم يفعلون. يتقدمون ولا يتراجعون. وبالطبع لا يستأذنون ولا ينقادون إلا لنداء وحيد: التحرير والعودة ــ إن هذا ما يستخلصه كل من يتابع ويتأمل أحداث فلسطين في الربع الأخير من العام .2015
عرب 2015 في عيون إسرائيلية
تعرف المكتبة العربية كتباً متعددة "مثلاً" عن العرب في صحافة هذا البلد أو ذاك. أو عن العرب في عقول الأمريكيين أو غيرهم. ومع ذلك يفتقد المرء "وقد يكون هذا تقصيراً منه" وجود كتاب أو كتب عن العرب في عقول أو تصور أو صحف العدو الإسرائيلي. أعتقد أن هناك كتباً عربية مؤلفة أو مترجمة في جانب أو آخر من الموضوعات المذكورة. بدليل أن الإسرائيليين أنفسهم كتبوا فيها وعنها. بل وكتبوا عن "العقل العربي" حسب عنوان كتاب "رفائيل باتاي" الذي ملأه بالافتراء والكذب. كما أن الصحافة الإسرائيلية تناولت ذلك بالمقارنة بين تخلف العرب وضعفهم وتقدم العدو الإسرائيلي وقوته!. وبالطبع. فإن المقارنات متعددة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعسكرياً.. وكل جانب يتفرع إلي بنود مختلفة وكثيرة. وفي مثل هذه العجالة لا يمكن التطرق إلي كل هذا. بل تكفي حالات وأمثلة محددة تكشف عن رؤية الإسرائيليين للعرب بعامة وللعلاقات بينهم. وحروبهم وصراعاتهم التاريخية وكيف تعبر عن ذاتها في عالم اليوم. ثم كيف توظف إسرائيل ذلك كله وكيف تستفيد منه وتحاول تأجيج نيرانه أكثر فأكثر.. في المقابل. ماذا يجري في الكيان الصهيوني ذاته. وهل هذه الخلافات والصراعات العربية ستستنفد قواهم كاملة. وينصرفون عن معاداة إسرائيل التي يخلو لها الجو لتفعل ما تشاء وما تريد. وبأية كيفية تشاء وتريد. المفاجأة هنا ومع قدوم عام جديد أن الإسرائيليين يعترفون بأن طريق المستقبل مسدود. وفي الحديث عن هذا. سيكون الاعتماد والاستناد إلي صحف إسرائيلية وإلي أقلام إسرائيلية لأصحابها وزنهم وأهميتهم في الحديث والتنبؤ بما هو آت.
صراع وتخلف
وبداية. تركز كتابات إسرائيلية كثيرة علي تنامي وتزايد حدة الخلاف السني ــ الشيعي. وترحب به. لأنه يصرف العرب عن عدوهم الإسرائيلي. ويذهب المستشرق "جي بخور" إلي أن هذه "حرب عالمية مستمرة منذ 1300 سنة. وبالتالي ينبغي أن تحمل المشكلة السنية ــ الشيعية. قبل أن يكون ممكناً عمل أي شيء في سوريا" "يديعوت احرونوت. 10 ديسمبر". ويقول شمعون شامير "إن الدول العربية تنقد وحدتها. بل تتفكك. إذ يعود الشرخ التاريخي بين السنة والشيعة إلي تقسيم العرب" "هآرتس. 26 نوفمبر الماضي". وسنعود إلي هذا المقال مرة أخري. بعد أن تنبه إلي أن تزايد الصراع الشيعي ــ السني خطر وخطأ يجب اجتنابه. ومن المقطوع به علمياً ودينياً أنه خلاف في الفروع وليس في الجذور. ولكنه إذا اتقدت شرارته فقد تستمر عقوداً من السنين. وليست مصادفة بأية حال أن كثيراً من المفكرين الأوروبيين يستعيدون حرب الثلاثين سنة في أوروبا القرن السابع عشر. حين يتحدثون عن الواقع العربي الحالي. ومخطئ وآثم قلبه وعقله كل عربي يسهم بأي قدر في إشعال نيران الخلاف السني ــ الشيعي" الذي يتحمل وزره الجانبان. وإن كانت هناك قوي تعمل جاهدة وبوسائل متعددة لتغليب هذا الصراع علي أي صراع آخر يواجهه العرب.. ونعود إلي مقال البروفيسور شمعون شامير وعنوانه يوحي بمضمونه. وهو "الدول العربية وامتحان التاريخ". وفيه يعود إلي 200 سنة مضت. أي إلي بداية الاستعمار الأوروبي للوطن العربي. ثم يقظة العرب وتساؤلهم: لماذا نتخلف ويتقدم غيرنا؟. ويرصد أربعة أهداف حددها العرب للخروج من أسر التخلف. ولكنهم ــ في رأيه ــ لم ينجحوا في ذلك. ويقدم أدلة علي ذلك. منها تقرير الأمم المتحدة في 2002 الذي تحدث عن "عجز المعرفة". فجميع الدول العربية سجلت فيما بين 1980 و2000 في الولايات المتحدة 370 اختراعاً فقط. في حين سجلت إسرائيل وحدها في تلك الفترة 7700 اختراع. أما الكوريون الجنوبيون فحققوا 16300 اختراع.. ويصل شامير إلي أنه في الأسواق العالمية. لا توجد منتجات من صنع عربي. كما يتناول مظاهر التخلف الأخري مثل معدل البطالة المرتفع. وتدني مستوي التعليم وغير ذلك. كما يقف عند خطر ظاهرة "التطرف الإسلامي".. وعلي الرغم من أن شامير يقول في ختام مقاله إن الإسرائيليين يجب ألا يشمتوا في جيرانهم. فإن هذه خاتمة لا تخفي هدف مقاله الأساسي: وهو ان لإسرائيل أن تسعد بعدم قدرة أعدائها العرب علي اللحاق بهم علمياً وتكنولوجيا. وهو يفصح عن هدفه هذا بقوله: "حتي لو قامت جهات عربية بالانفتاح علي العالم. وقامت باستيراد التكنولوجيا. فإن الفائدة محدودة. التكنولوجيا العالمية تتقادم بسرعة. ومن لا يشارك في إنتاجها لا يستطيع المنافسة بشكل فعال. التجدد والإبداع لهما دور حاسم في عالم اليوم. وهذه المميزات نادرة في العالم العربي".
علماء إسرائيل يتركونها
بعد أسبوعين من مقال شامير هذا. وتحديداً في 14 ديسمبر الحالي. كتب "ناحوم برنياع" في "يديعوت احرونوت" مقالاً تناول فيه صناع التكنولوجيا العليا في إسرائيل والتي يعمل فيها ما بين 80 و100 ألف إسرائيلي ونقل عن أحدهم قوله: "إذا ماتت هذه الصناعة فإن إسرائيل ستموت". قد تكون هذه مبالغة. ولكن الأرقام التي أوردها "برنياع" تشير بوضوح إلي هرب رجال التكنولوجيا العليا من الكيان الصهيوني. وذكر أن "مؤتمر سبان" الأمريكي عن التحريض ضد إسرائيل في شبكات التواصل الاجتماعي تطرق إلي مسألة: هل سيبقي الإسرائيليون الذين جعلوا منها قصة نجاح عالمية في مجال التكنولوجيا العليا. هل سيبقون في إسرائيل؟. وأجاب علي ذلك بأن المعطيات تثير القلق. فقد ذكر أحد المتحدثين في المؤتمر أنه في كل أسبوع تنقل ثلاث شركات تكنولوجيا نشاطها من إسرائيل إلي أمريكا. وخارج المؤتمر قال آخر: في كل أسبوع تسجل سبع "شركات اختراع" إسرائيلية في الولايات المتحدة. ولكن متحدثين آخرين هونوا من شأن هذه الظاهرة. والواضح أن "الشباب يتركون إسرائيل لأن إسرائيل تتركهم". وهذه كلمات برنياع نصاً. ثم تساءل لماذا يحدث هذا؟. ولخص الاجابات التي تلقاها ممن ألقي عليهم التساؤل في "الإحساس بأن إسرائيل تراوح في مكانها دون حل يجعلها تستقر أمنياً. وبلا أفق. وبلا أمل وبسلم أولويات مشوه يلقي بمعظم العبء علي القلة ويمنح المزايا لصالح مجموعات ضغط سياسية". وقال الكاتب إن المصاعب الاقتصادية تأتي في المرتبة الثانية. ونقل عن أحد محاوريه قوله: "لا تنظر إلي الذين حققوا الملايين من وراء بيع شركاتهم. فالمبتدئون ينهون الشهر بصعوبة". ويخلص برنياع. وهو كاتب كبير. إلي أنه لا يوجد اليوم في المجتمع الإسرائيلي. ولا في الحكومة أو المعارضة. أو بين رجال الفكر. وبالتأكيد ليس بين الحاخامات. من يوفر صيغة ترص الصفوف" ليس برنياع وحده من يقول هذا. فهذه صيحة تتردد اليوم كثيراً في إسرائيل ولا مجال هنا لمزيد من الاقتباس.
تحولات ومتغيرات
منذ سنوات يجتاز الكيان الصهيوني أزمات اجتماعية متعددة وحادة. والعرب عن هذا غافلون. بل إن تصرفاتهم مع عدوهم تساعده علي تغطية هذه الأزمات أو التغلب عليها ــ اعترافات الكتاب الإسرائيليين بذلك جديرة بالمتابعة والدراسة. ومن أسف أننا لا نتابع جيداً المدرسة الاجتماعية الإسرائيلية ولا أعمال علماء السياسة الإسرائيليين. كل هذا يحتاج إلي باحثين متخصصين ومعتمدين علي سلاح اللغة العبرية أو علي جهاز ترجمة كبير.. في هذه العجالة أسوق سطوراً من مقالات أبرهن بها علي ما سبق:
** كتب اربيه شبيط في هآرتس "27/12": كل من لا يري أن إسرائيل في خطر فإن إيمانه مغلوط.. في ظروف إسرائيل الحالية. فإن خطورة الإبقاء علي الوضع الراهن أكبر كثيراً من خطورة محاولة تغييره. وسبب ذلك أن إسرائيل صعدت فوق خط يؤدي إلي الانهيار المؤكد..
** كتب حاييم مسجاف "معاريف في 24/12": العرب يعرفون منذ الآن وبالتأكيد أن ما عليهم إلا أن ينتظروا بضعة أجيال أخري حتي يسقط كل شيء في حضنهم كثمرة ناضحة.. وعندئذ. فإن "الشعب اليهودي" إذا لم يصح بسرعة سيفقد مرة أخري ما بني بعمل جدي جداً وبدماء كثيرة جداً..
** أما "يونيل ماركوس" فكتب في هآرتس في 27/11: توجد لدينا حكومة من أسوأ ما شهدته إسرائيل في أي وقت مضي..
ويؤكد المرء أن هذه الاستشهادات ليست مجتزأة علي طريقة: لا تقربوا الصلاة. بل إنها مجرد أمثلة عابرة. يكاد يتردد مثيلها كل يوم في صحف إسرائيلية تعترف أيضاً بمخاطر أي حرب قد تقوم بها إسرائيل ولو مع "حزب الله" فقط في لبنان "جيورا ايلاند في يديعوت. في 23/12". ومع ذلك. فإن إسرائيل تفكر في خيار الحرب دائماً. وليس أدل علي هذا من كتاب صدر في 2014 وعرضته مجلة "الهلال" في عددها الأخير وهو لكاتب إسرائيلي يدعي "ايهود غيلام" وعنوانه "الحرب القادمة بين إسرائيل ومصر"!!. واسلمي يا مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف