عباس الطرابيلى
هموم مصرية قري جديدة.. في الأرض الجديدة
ربما أكون أكثر المصريين سعادة بمشروع المليون ونصف المليون فدان الجديدة.. ليس فقط لأنها تعني تعويض ما فقدناه من أرض زراعية، علي مدي نصف قرن، ولكن لأن حلمي أن نهرب من مشاكل القري القديمة.. وأن نعيد فكرة القرية المنتجة.. وليست القرية المستهلكة.
ذلك ان أخطر ما نعيشه الآن هو ابتعاد القرية المصرية عن الإنتاج.. وتكاد تكفي سكانها ما يأكلون.. ولا يهم ماذا يأكل سكان المدن.. فالقرية المصرية التي كان تنتج كل شيء من الرغيف الفلاحي إلي الألبان والدواجن واللحوم نسيت الفرن الفلاحي.. والسمن البلدي.. والبيض والجبن، حتي ولو كان من الجبن القريش، ويجري سكانها الآن وراء فراخ المزارع.. والبط البكيني ورغيف القمح واختفي رغيف القمح بالذرة.
<< الخلاصة اننا نخشي أن نكرر- في القري الجديدة- مآسي القري القديمة، وبالذات بعد أن تم تفتيت الأرض الزراعية ويدوبك كل فلاح يزرع قيراطين، أو يسكن فوقهم!
ثم.. هل نحلم أن نحمي الأرض الجديدة من أمراض الأرض القديمة وأن نتخلي تماماً عن «الهري.. والمسقة» أي الترعة المكشوفة التي نروي منها الأرض، وبمياه لوثناها بكل سلوكياتنا.. وهل فكرنا فعلاً في نظام جديد للصرف، كما فكرنا في نظام جديد للري.. حتي لا نواجه مشاكل «تطبيل» الأرض الجديدة، كما حدث في بعض أراضي الوادي الجديد، وفي سيوة بالذات.. ولا نعتمد علي فكرة أن الأرض الجديدة تقع وسط أراضٍ صحراوية رملية سوف تمتص كل بقايا مياه الري.. وهل نلزم الفلاح بالري الجماعي أي الري المحوري بالبيفوتات العصرية، أو الري بالتنقيط فيما بين أراضي هذا الري المحوري.. حتي ولو اضطررنا إلي تركيب عدادات لمياه الري لكل منطقة، خصوصاً واننا سنعتمد علي المياه الجوفية، بهدف إطالة مدة تواجد هذه الجوفية.. وننسي حكايات الري بالغمر أو الفلاح الذي يدير الساقية ثم يذهب إلي بيته وينام!
<< ثم.. لماذا لا نفحص «صحة» الفلاح الذي سيعيش في القري الجديدة وأن نعالجه مما فيه متوطنة حتي لا يذهب إلي الأرض الجديدة إلا كل سليم الجسد والبدن.. نفعل ذلك مهما تكلفنا حتي نعيد الجسد السليم إلي الجسد المصري الذي صار عليلاً.. كل ذلك حتي لا ننقل أمراض الأرض القديمة وأمراض الجسد المصري القديمة.. إلي الأرض الجديدة.
ولا أعرف لماذا نبني عمارات سكنية- في القري الجديدة- قد يقولون انها مساكن للموظفين والإداريين والعمال.. ولكننا بذلك ننقل مرض تضخم الجهاز الإداري المصري المعهود إلي القري التي يفترض أن تكون جديدة..من كل النواحي، لماذا عمارات سكنية نستهلك فيها أسمنت وحديد تسليح وسلالم وغيرها.. ولا تكون مجرد منازل الواحد منها من طابق واحد.. أو طابقين علي الأكثر.. وإذا كان صعباً استخدام الأحجار لبناء هذه المساكن.. لماذا لا تكون من الطوب الأسمنتي، أو طوب الطفلة.. والحوائط الحاملة.. وقد عرفت مصر الحوائط الحاملة حتي 4 طوابق.. ولا يصبح في القرية الجديدة مبان تتعدد طوابقها إلا مبني المدرسة والعيادة الصحية ومقر الإدارة.. وأن نمنع تماماً تخزين مخلفات الأرض فوق مباني القرية.
<< وأن نعيد «عادة» تربية الدواجن من فراخ وبط وإوز وأرانب للبيت الفلاحي الجديد، لنوفر لسكانها ما يأكلون ويبيعون الباقي لسكان المدن القريبة.. بل لماذا أيضاً نسلم لمالك البيت أو الأرض عدة غنمات أو ماعز لنربي هناك مراعي طبيعية ولا يشترط تسليمه جاموستين أو بقرتين.. فالأرض الجديدة تتواجد فيها مساحات للمراعي.. وياسلام علي الأغنام البرقية التي تشتهر بها الصحراء الغربية نأكل بعضها، ونصدر أكثرها.. وبذلك نخفض من أسعار اللحوم والدواجن والبيض.. ويصبح كل ذلك مصدراً طيباً للفلاحين هناك.
<< ورغم تحفظاتي علي كل مشروعات الاستزراع القديمة إلا أنني أتمني أن ندرس تجربة مديرية التحرير في أيامها الأولي لزراعة الصحراء، أو علي حواف الدلتا.. وأن يكون ذلك هو أسلوبنا وليس أسلوب منطقة النوبارية الجديدة.. فقط، لابد من زراعة منتجات جديدة غير تقليدية عندنا.. مثل أشجار الزيتون الذي يجود في مثل هذه المناطق وبجوارها نقيم معاصر عصرية لانتاج زيت الزيتون وأن ندرس تجارب تونس والمغرب وإسبانيا وإيطاليا واليونان مع هذا الزيتون ومنتجاته.. وأن نتوسع في زراعة العنب للتصدير.. وتصنيعه وتحويله إلي زبيب لنوقف استيراد هذا الزبيب من إيران وتركيا واليونان.. بل ومن أمريكا وشيلي.
حقاً نتمني أن نحمي الأرض الجديدة من أمراض الأرض القديمة وأن نحمي فلاحها من كل الأمراض التي يعيشها.. في الأرض القديمة.
هل هذا صعب؟!