الأهرام
جمال زهران
وقفـة ضرورية مع رئيـس جهاز المحاسـبات
من باب النزاهة السياسية التى ألتزم بها فى حياتى العامة، وألزمت نفسى بهذا المبدأ الذى لا أحيد عنه مطلقا مهما حدث طوال حياتي، فهو رصيدى عند شعبنا المصرى العظيم ورأسمالى الحقيقي، اعترف بأننى فى «خصومة سياسية» مع رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات السيد/ هشام جنينة، وليست «خصومة شخصية»، لكنه حولها إلى خصومة شخصية بتعقبى فى الجامعة من خلال اذرعه كما يتعقب وينكل بكل من يختلف معه ويعارضه داخل الجهاز المركزى للمحاسبات وادعمهم وأساندهم بكل ما أملك فى كل دعاواهم القضائية وكل بلاغاتهم للنائب العام ضده، وهو موقف سيحاسب عليه يوما ما. فخصومتى مع رئيس الجهاز خصومة عامة تتعلق بقضايا عامة ومنظورة أمام القضاء الآن ومحالة لكتابة تقارير المفوضين، ولا يجوز أدبيا ولا أخلاقيا الحديث فيها إلى أن يحكم القضاء. وقد كتبت مقالات عديدة ضد ممارساته من قبل فى عدد من الصحف وطالبت فيها بعزله مبكرا، دون جدوي!!

وباعتباره شخصية عامة، وبحكم منصبه الرقيب الأول على مال الشعب، وعليه أن يقدم تقاريره للشعب مباشرة فى كل ما يخضع له من مؤسسات وهيئات وأحزاب... الخ، وعليه أن يبصر الشعب بكل صغيرة وكبيرة، فهو خاضع للنقد العام فى ادائه وممارساته حتى فى داخل الجهاز مع مرءوسيه يخضع للرقابة الشعبية من وسائل الإعلام وأصحاب القلم وقادة الرأى والسياسيين، فضلا عن أن انتماءاته الفكرية والسياسية وجذور علاقاته هى فى ذات الدرجة. ولاشك أن هذا هو قدر الشخصيات العامة، والسياسيون منهم على وجه الخصوص، فضلا عن كبار الشخصيات التى تحتل المناصب العليا فى الدولة. فليس هناك من هو فوق النقد، وتظهر معادن الشخصيات العامة حينما تنظر إلى النقد على أنه مباح فتتصرف بهدوء، ولا تحوله إلى خصومات شخصية وإلا فقد شرعيته. ويتركز حقه فى ايضاح الأمور أمام الشعب وتبصيره حول ما هو غامض، فيرتفع فوق الصغائر بطبيعة الحال، ويركز على كل ما هو عام مادام كان شاغلا المنصب.

والذى لاشك فيه أن شخصية السيد/ هشام جنينة محل جدل ويختلف عليه الناس بصورة واضحة. فهناك من يختلف معه فى قضايا عامة، وهناك من يختلف معه فى مصالح شخصية، وهناك من يدافع عنه ويفتح له القنوات الفضائية بإسهاب ولأسباب معروفة، وهناك من يهاجمه فى قنوات فضائية وبرامج معروفة لأسباب معروفة أيضا. والواضح أن أغلب رموز مبارك يهاجمونه، وأغلب الشاغلين مناصب تنفيذية يهاجمونه أيضا لأنه ورجاله يمثلون قيدا عليهم وهم يريدون أن يكونوا مطلقى اليد والحرية دون قيود!!

وهناك من يؤيدونه من جماعة الإخوان والمتأسلمين فى مقدمتهم السلفيون ويعتبرونه عدوا للفساد، فيدعمونه، وتقف معه صحفهم منها صحيفة «المصريون» كما أن هناك فصيلا من القوى الثورية يسعى لدعمه نكاية فى رجال مبارك الذين يحاربونه لإحداث التوازن المطلوب!! والتقى به بعض من هؤلاء، وعبر عن ذلك أحدهم فى مقال له نشر فى جريدة الوطن!! ولم يكتف هؤلاء بتأييده بل مهاجمة خصومه على طول الخط.

والأصل عندى أن السيد/ هشام جنينة قد عينه الإخوان فى أكبر جهاز رقابى فى مصر، وبطبيعة الحال فإن لم يكن منهم ـ أى من الإخوان ـ فهو محل ثقتهم، وما كان له أن يقبل ذلك إلا برضائه عنهم وتعاطفه معهم على الأقل، وبالتالى فإن هناك قبولاً ورضا متبادلين. والدليل أن الإخوان ـ مثل مبارك ـ عرضوا عليَّ العديد من المناصب فرفضت لعدم قناعتى بهم، ولو كنت قد قبلت، فقد أصبحت منهم ومحسوبا عليهم ببساطة. ومادام أن الشعب قام بثورة ثانية فى 30 يونيو 2013، ومن البديهيات أن الثورة تسقط نظاما برموزه وسياساته وقواعده، كما شرحت كثيرا فى ذلك طبقا لفقه الثورات، وشعارات الشعب فى الميادين ومنها: «الشعب يريد اسقاط النظام»، فإنه من الطبيعى عزل جميع رؤساء الهيئات المعينين من قبل النظام الذى ثار الشعب لإسقاطه، واستبدالهم فورا بآخرين.

فليس هناك ضمان لولاء هؤلاء للنظام الجديد، بل سيسعون لإفشال وتشويه نظام ما بعد الثورة لتعاطفهم مع من عينهم. والذى حدث كجزء من محاولات اجهاض الثورتين فى 25 يناير 2011م، 30 يونيو2013، هو الابقاء على رؤساء الهيئات لحين الانتهاء من مددهم القانونية، أى قانون ذلك الذى يفرض نفسه على الشعب وهو صانع القانون نفسه من خلال برلمانه الذى أسقطه بنفسه فى الميادين؟! لكنها كانت محاولات حصار الشعب لإدخاله فى القفص، والإبقاء على الأوضاع القائمة. وهذا أحد أهم أسباب الاجهاض العمدى للثورتين، وهو ابقاء رموز نظامين المفروض أن الشعب اسقطهما بخروجه، إلا أن ذلك ما حدث.

والآن فإن السيد/ هشام جنينة مستمر حتى سبتمبر 2016م (لإتمام سنواته الأربع)!! يكون خلالها قد صفى الحسابات، ونكل بمن يريد، وأضر بالوطن كما يحلو له، وارسل مشروع قانون الجهاز كما أعده إلى الهيئات الدولية ومنها البنك الدولى دون عرضه على الرئيس والحكومة والبرلمان!!، واشاع ما يريد، وتقاعس عن أداء بعض الواجبات كما يريد.. الخ. ولم نجد من يحاسبه.. مثل كل شيء خارج الحساب للأسف، وسؤالى مثلا لرئيس الجهاز المركزى للمحاسبات: لماذا لم تفتش على جميع الأحزاب السياسية ماليا قبل إجراء الانتخابات البرلمانية وتقديم تقرير مالى للشعب لتبصيره؟ ولأنه لم يحدث فإنه يستحق الحساب والعقاب بتهمة التآمر على هذا الشعب وتضليله عند الاختيار، وتفويت الفرصة لمحاسبة أحزاب المال السياسي، ورجال الأعمال وبعضهم يحمونه ويفتحون له القنوات خصيصا.

وسؤال آخر: لماذا لم يقم بفحص ومراجعة رئاسة الجمهورية فى عهد مبارك طوال ثلاثين عاما، مثلما حدث فى تونس؟! أليس ذلك تواطئا وتضليلا للشعب؟! بل وخيانة للثورة وشهدائها؟!

وأخيرا يأتى لكى يصرح فى جريدة اليوم السابع بأن حجم الفساد فى عام 2015م، وهو العام الأول لحكم السيسي، قد بلغ 600 مليار جنيه بما يعادل ثلثى ميزانية الدولة، وذلك يوم 23 ديسمبر 2015م. هل هذه حقيقة؟! أم محاولة منه لإظهار أنه الكاشف للفساد حتى يظهر شهيدا عند عزله الذى بات قريبا جدا؟! وأحسن الرئيس السيسى بتشكيل لجنة لبحث التصريحات غير المسئولة عن رئيس جهاز المحاسبات.

أطالب سيادة الرئيس بما لديك من صلاحيات قانونية بعزل رؤساء الهيئات المستقلة، والذى أصدرتموه شخصيا، وبما عليك من التزامات نحو ثورتين قام بهما الشعب وفى مقدمة دستوره لعام 2014م، بعزل هذا الرجل فورا احتراما لإرادة الشعب فى التغيير. وأشهد الله بأننى موضوعى فى كل مواقفى ومقالاتي، والله الشاهد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف