موضوع ذبح كلب شارع «الهرم» على يد مجموعة من الشباب أخذ أكثر مما يستحق من اهتمام وسائل الإعلام التى أصبح «الكلب المذبوح» هماً أساسياً من همومها واهتماماتها خلال الساعات الماضية. مؤكد بالطبع أن الواقعة «مقرفة»، حتى ولو كان بطلها كلباً، فمن الزاويتين الحضارية والدينية يأتى هذا العمل فى خانة الأفعال اللاأخلاقية واللادينية، لكن الأشد «قرفاً» من ذلك هو حجم الاهتمام الذى أبداه عدد من الإعلاميين وكذا نوافذ الإعلام بالموضوع، والمعالجات التى ترقى إلى درجة التفاهة التى اعتمد عليها البعض فى مناقشة ما حدث، حتى ولو تم ذلك من زاوية «الرفق بالحيوان»، وهى زاوية نحترمها بالطبع، فلو كان هؤلاء يهتمون حقيقة بأمر «الكلاب» لما توقفوا عن الحديث فى هذا الموضوع، لأنه ما يمر يوم إلا ويُقتل فيه كلب دهساً تحت عجلات سيارة أو أوتوبيس أو قطار، وليس عليك لكى تتأكد من ذلك سوى أن تلاحظ أى طريق تسير عليه. المشكلة أن البعض وجد فى الموضوع مادة خصبة للحديث.
لقد أوشك هذا البعض أن يطالب بالقصاص لـ«الكلب» من قاتليه! فى وقت لا يجرؤ أحدهم أو كلهم على رفع صوته بالحديث عن القصاص من قاتل إنسان هنا أو هناك. وقد يكون من المفيد أن نربط ما بين خبر قتل «الكلب»، وخبر آخر تزامن معه، يتناول مقتل شابين داخل قسم شرطة المطرية، وتشير أصابع الاتهام إلى أنهما ماتا من التعذيب داخل القسم! نعم هناك صحف أشارت إلى هذا الخبر وتابعته، لكن أياً منها لم يلتفت إلى شرح أبعاده أو الحديث عن دلالاته، كما فعل مع «كلب الهرم». ربما كان السبب فى ذلك إحساساً بدأ ينتاب البعض بأن الموت داخل الأقسام أصبح خبراً مألوفاً، على عكس واقعة ذبح الكلب. وكتب الصحافة القديمة تقول إنه «إذا عض كلب رجلاً فهذا ليس بخبر.. أما إذا عض الرجل كلباً فذلك هو الخبر». والأصل فى الأمر هو الخروج عن المألوف. فليس من المألوف أن يعض البشر الكلاب، أما أن يعض كلب إنساناً فذلك هو الوضع الطبيعى!
ربما تابع الكثير من أفراد الجمهور ذلك «الهرى» الإعلامى الذى تناول موضوع الكلب الذبيح، فأى موضوع مثير يستجلب القراءة ويغرى بالمتابعة، لكن ذلك لا يعنى أن القارئ لم يشعر بالقرف والتأفف من الأمر. فلو أن شخصاً جُنَّ وخلع ملابسه فى الشارع فسوف يهتم كثيرون بالمشاهدة، لأن هذا الشخص خرج عن المألوف، ولكن إذا سألت أى مشاهد من هؤلاء عن رأيه فى الواقعة، فسوف يقول لك إما أن يكون هذا الشخص مجنوناً، أو عنده حالة نفسية، أو قليل الحياء، أو رفيق لص يريد أن يصرف الأنظار عن زميله الذى يخطط لسرقة الحشود التى تجمعت! تلك هى النتيجة المنطقية التى يمكن أن يتمخض عنها هذا الموقف.
من الزاوية الشرعية، الكلاب -وغيرها من الحيوانات- لا تحاسب يوم القيامة. فقد ورد فى تفسير الآية الكريمة التى تقول «وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِى كُنتُ تُرَابًا» أن الكافر يتمنى يوم القيامة مصير الحيوانات التى ييسّر لها الله القصاص من بعضها البعض، ثم يقول لها: كونوا تراباً.