فى بداية عهد الرئيس الأمريكى أوباما أعلن عن استراتيجية أمريكية جديدة لحل النزاعات فى الشرق الأوسط، وركز على أن الأولوية عنده لحل النزاع العربى الإسرائيلى على أساس حل الدولتين، مما جعل العرب يتفاءلون بأنه سوف يتحول بالسياسة الأمريكية من مرحلة المراوغة وبيع الوعود للعرب، وزيادة الحماية والدعم لإسرائيل، إلى مرحلة العمل، وإثبات أن العدل والحرية من القيم الأمريكية فعلا فى الداخل والخارج.
وحين جاء أوباما إلى القاهرة انتشى العالم العربى بجو لا مثيل له من التفاؤل، حتى إن الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية فى ذلك الوقت كتب مقالا فى الأهرام بعنوان مرحبا بالرئيس أوباما عبر فيه عن انتظاره لخطوات عملية تحترم الشرعية الدولية، وقرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق بمشكلة المسلمين المركزية وهى فلسطين، ووقف العدوان على الشعب الفلسطينى وحرمانه من الحقوق الأساسية فى الحياة والعمل والتنقل والتعليم، وهى الحقوق الأساسية التى تعلن أمريكا أنها المدافع عنها لشعوب العالم فيما عدا الشعب الفلسطيني.
وكان المفتى فى مقاله يعبر عن شعور ساد بين المصريين والعرب والمسلمين بأن أمريكا هى الطرف الأساسى الذى يحمى إسرائيل ويزودها بعوامل القوة، ويساند طغيانها، فهى الطرف الوحيد الذى يمكنه مساعدة جميع الأطراف، وهى تعلن فى كل العصور أنها الصديق الاستراتيجى للعرب.
ولكن الرئيس أوباما خيب الظن ولم يفعل شيئا لحل القضية، لكنه فعل العكس بزيادة الدعم والحماية للاحتلال الإسرائيلي، وأثبت بذلك أنه لا يختلف عن غيره من الرؤساء السابقين، ولا نقول ذلك من عندنا، لكن نقول ما قاله الرئيس الأسبق جيمى كارتر فى كتابه بعنوان نعم نستطيع تحقيق السلام فى الأرض المقدسة، ويبدو أنه أراد الاعتراف وهو فى آخر أيامه يعانى السرطان فقال: إن رؤساء أمريكا لم يفلحوا فى المساعدة على تحقيق السلام، بل إنهم أقاموا الصعوبات والعراقيل فى وجه كل الأطراف التى حاولت السعى لتحقيق هذا الهدف.
وكانت أمريكا هى التى عملت على إفشال المساعى الأوروبية ومساعى الأمم المتحدة لحل هذه القضية المعقدة على الرغم من أن الدول العربية جميعها قدمت مبادرة لإقامة علاقات طبيعية ودبلوماسية وتجارية مع إسرائيل إذا احترمت إسرائيل قرارات الأمم المتحدة، لكن هذه المبادرة تجاهلها كل رئيس أمريكى واكتفى السياسيون الأمريكيون بالثناء عليها، واكتفت إسرائيل بإعلان أن هذه المبادرة تمثل فرصة وأساسا قابلا للمناقشة.
وقال كارتر: إن أوباما مثل من سبقوه اكتفى بتوزيع العبارات المتفائلة ولم يتخذ خطوة عملية تثبت جدية سعيه لحل الصراع العربى الإسرائيلى على الرغم من الاقتراح الذى طرح بتشكيل قوة دولية من الأمم المتحدة متعددة الجنسيات لضمان أمن إسرائيل التى تجعل موضوع الأمن حجة دائمة لرفض كل الحلول مع أن أمن الشعب الفلسطينى هو المعرض للخطر، وإسرائيل هى التى تعتدى عليه وتمارس أقصى درجات العنف عليه، مما يغذى الشعور بأن إسرائيل لا تريد السلام مع العرب بأى شكل من الأشكال، ولا يعترف أحد من قادة أوروبا وأمريكا بذلك.
وفى هذا الكتاب يقول كارتر: إنه تلقى تهديدات بعد نشر كتابه السابق فلسطين: سلام وليس تفرقة عنصرية ويقول إنه يعلم بأنه ليس من بين رجال السياسة الأمريكيين من يجرؤ على انتقاد سياسات الحكومة الإسرائيلية، ولا تجرؤ الصحافة والإعلام على نشر أى شيء بموضوعية عما يجرى فى الأراضى الفلسطينية.
ومن المدهش أن العرب مازالوا ينتظرون من أوباما أن يفعل شيئا يعبر عما يعلنه عن القيم الأمريكية (الحرية والعدالة والمساواة)، بينما لايزال أوباما ورجاله يبيعون الوهم للعرب، ويقف بقوة تفوق كل ما سبقه من مواقف الرؤساء فى مساندة إسرائيل فى اعتداءاتها وتوسعها وبناء المستوطنات على أراض جديدة تغتصبها كل يوم من أرض فلسطين، وأكثر من ذلك لا يفعل شيئا لوقف الاعتداء على المسجد الأقصي، مع علمه بمكانته فى العقيدة الإسلامية.
ليس المهم أن يغضب العرب من أوباما أو غيره، فهذا لن يفيد، ولكن المهم أن يدرك العرب أن لديهم عناصر للقوة تجعلهم قادرين على الضغط على الأطراف الدولية للتحرك نحو الفعل وليس القول، ليس المهم أن نتوقف كثيرا أمام ما يفعله الآخرون، المهم أن نسأل أنفسنا: ماذا نفعل نحن؟!