صباح الخير
وليد طوغان
إسلام داعش .. من درنة الليبية لـ«أول فيصل»!
ليست صناعة أمريكية أو غربية فقط.. تستطيع أن تقول إن «داعش» صناعة مصرية أيضاً.. ابتكار مصرى بامتياز.. لو أن الأمريكان هم الذين انفقوا على داعش مليارات الدولارات، وسلحوها، وأرسلوا إليها رجال المخابرات وأعضاء سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية فى سوريا وفى العراق، فنظموا صفوفها.. وباعوا لرجالها اللثام الأسود.. والخناجر، فإن مشايخنا فى مصر هم الذين زرعوا الفكر الداعشى، منذ سبعينيات القرن الماضى، وعلبوه.. وروجوه فى ورق هدايا مفضض مرسوم عليه «دباديب» حمراء!!


بعض مشايخنا فى مصر هم الذين ابتكروا «إسلام داعش».. خلقوه على منابر المساجد فى أول فيصل والإباجية، وعزبة النخل.. وفى الثمانينيات، مروا به على مساجد قنا وسوهاج.. وقلبوه قصصا خرافية وتراثية، على الحصير الأخضر فى باقى المحافظات، منذ التسعينيات وحتى الآن.. لم يعارضهم أحد، ولم يوقفهم أحد.. كان لابد أن يتطور الأمر.. فصدرنا من مصر أفكار داعش، والسلفية الجهادية. أفكار محمد إسماعيل المقدم، وأبو عبيدة المصرى الى الخارج، واستوردنا النسكافيه، واللبان بدون سكر.. ولعب الأطفال.. لم يعد هناك بدٌ من أن نعترف بأن مشايخنا هم الذين امتلكوا سر خلطة «اسلام داعش»، وأن لديهم مفاتيح التطرف فى أدراج مكاتبهم، وأن أغلبهم يخبئون أساسيات «فكر دينى عدائي»، اخذوه من تشدد ابن تيمية، وابن حنبل، وفضلوه على تخريجات تسهيلات الشافعى والليث ابن سعد.. وسط تساؤلاتنا عن كيفية الرد على «داعش» درنة الليبية، لماذا لم نسأل: كيف وصلت أفكار دواعش درنا الليبية إلى هذا الحد من الدموية باسم الله، وباسم الدين، وباسم سلطان الله؟ ومن أين جاءتهم تلك الأفكار عن دار الحرب، وعن «أهل الذمة».. وعن حرب آخر الزمان، التى ستخرج فيها أمة مسلمة، لتحارب الغرب المسيحى، واليهود فى الشرق؟
وسط اختلافاتنا فى طرق الثأر، وأساليب الانتقام.. لماذا لم نربط بين شعارات داعش فى طرابلس، وفى ريف دمشق، وادلب سوريا، وبين تراث إسلامى، طوره مشايخنا فى مصر، وعلبوه.. وصاغوا مفرداته.مشايخنا هم الذين صنعوا أفكار داعش. بعض أزهريينا دواعش.. أيضا. لكننا مازلنا مجتمع «نعام».. ندفن أنفسنا فى الرمال، ونظن أنه لن يرانا أحد.
نبحث عن حريتنا فى السياسة، وفى الانتخابات.. ثم نطرب، بلا اعتراض، تداول مشايخنا فى المساجد، قصصا عن «تحريف الإنجيل».. وحرمانية مصافحة المسيحى، أو تهنئة غير المسلمين بأعيادهم.. لماذا نحن مجتمع «نعام»؟ لأن الكتابة عندنا عن المشايخ، مازالت أشبه بالنقش على جلد الغزال.. تشم بعدها فوراً، روائح شياط، وتوصيف، وتكفير وشك فى سمعة الكتاب، ووصم إما بالخروج عن الدين.. أو بسوء النية.. والعلمانية!
أغلبنا لا يعرف العلمانية.. كما لا يعرف الدين.. داعش أيضاً لا تعرف الدين، هكذا يقول الأزهر. يقول مشايخ الأزهر أيضا إنهم هم الوسطية.. وإنهم هم الإسلام السمح، وإن أئمة الأوقاف هم حماة الإسلام الصحيح.. وإنهم القائمون على الدين القيم.. لكن كل هذا ليس صحيحا كما تقول الوقائع، وكما تشير خطب الجمعة فى مساجدنا من السبعينيات.. للآن. قبل شهرين طالب الرئيس السيسى رجال الدين والمشايخ، بإقامة الدين الصحيح، والبحث عن طريق لإعادة نشر الوسطية بين الشباب. رد وقتها الأزهريون ومشايخ الأوقاف أنهم أهل لذلك.. سألت أحد مشايخ الأوقاف الكبار وقتها: ماذا تعنى وسطية الإسلام؟ قال الرجل إنهم شكلوا فى الأزهر والأوقاف لجانا لبحث الوسطية، واساسياتها!
المعنى أن مشايخنا لا يعرفون الوسطية.. ما لديهم هو ما لديهم. ما فى كتب الأزهر من تراث، وما يتداوله أئمة الأوقاف فى المعاهد الأزهرية من أفكار تقترب من الخرافة فى تفسير الأحكام، وإعادة تأويل المستخرجات الشرعية.. لن تتغير.. لن يغيروها، لأنهم لا يعرفون أنه لابد لها من إعادة تأهيل وتدوير.
لذلك لم تنته لجان البحث عن الوسطية إلى شيء.. حتى الآن يتداول مشايخ وأئمة الأوقاف من على المنابر، مصطلحات عن بلاد المسلمين باعتبارها دار إسلام.. ويتداولون إثباتات شرعية فى الغرب باعتباره دار حرب.
لماذا يقول الأزهر إن داعش خارجة عن الإسلام، وإن ذبحهم لأقباطنا ليس من الدين؟
ما الذى فعلته داعش؟
الذى فعلوه أنهم قتلوا الأقباط، ردا على المحاربين فى الغرب.. توعدوا الطاغوت بمزيد من القتلى.. قالوا إنهم الأمة الباقية الممسكة على الدين فى آخر الزمان!
تتكلم داعش بنفس «النبرة السلفية»، التى تكلم بها المشايخ أبو يعقوب، وأبو إسلام، والشيخ الحوينى فى مساجد فاقوس، والإسكندرية وشارع طومان بأى فى الحلمية.
هو نفسه الاستئناس بلهجة المسلمين الأوائل، رغبة بالعودة الى عصر الصحابة، وهى نفسها نبرة الفكر السلفى الجهادى بسلوكيات موحية عن استماتة فى استعادة زمن الجيلين الأول والثانى من أجيال الإسلام الأولى.
يقول مشايخنا إن داعش ليست من الدين؟.. طيب افتح أى كتاب من كتب المعاهد الأزهرية. افتح «الإقناع فى حل ألفاظ أبى الشجاع».. أو طالع «الروض المربع شرح زاد المستنقع». أدخل على كتب الدراسات العليا الإسلامية، فى غرف نوم طلبة مدينة البعوث الإسلامية.. وافتح كتاب «الاختيار لتعليل المختار».. افتح أيًا من مذكرات المشايخ، وأوراق خريجى الأوقاف.. ستجد كلام داعش بالنص والحرف.. فى مقال للمحلل الإنجليزى روبرت برام قال إن: «إسلام المصريين له أنياب».. كان كلاما صحيحا.. فكما صنع المصريون، على مر التاريخ، إسلاما من نوع خاص.. حوى تسامحا شديداً مع الآخر مثلا، فإن وجه العملة الآخر للإسلام المصرى منذ بدايات القرن الماضى، حوى تطرفا، وقصصا خرافية عن عذاب القبر، وفتنة المسيخ الدجال.. وتفاصيل أخرى، لا هى من الدين، ولا تصح أن تكون منه.. كلها أفكار تحولت إلى تراث، ثم أنتجت داعش، بعدما أسست لأفكار السلفية الجهادية، وتشدد القاعدة، والعائدين من أفغانستان، والناجين من النار.. وجماعات التكفير والهجرة.. ألا يلفت نظرك أن أغلب ما سبق من جماعات متطرفة خرجت من مصر؟ بماذا تبرر أن قضاة داعش الأربعة الشرعيين مصريون؟ بماذا تفسر أن 11 من مستشارى أسامة بن لادن مصريون، وأن أغلب قيادات أيمن الظواهرى مصريون أيضا؟
أيمن الظواهرى نفسه مصرى.. أفكار أبو جندل قيادى القاعدة، وأبو منصور قيادى جبهة النصرة، وأبو عمر الثقاف قيادى أنصار الشريعة.. كلها إسلامية مصرية.. خرجت من مساجدنا، وتنامت.. وترعرعت، فتحوها فى أفغانستان، وضربوها فى الوريد فى باكستان، ثم مرورها مع حقن الأنسولين الى سوريا، وتركيا.. والعراق، ثم قتلوا بها أقباطنا فى ليبيا.. هذه بضاعتنا ردت إلينا.
لا يكفى رد الـ«إف 16» على داعش.. لن تعيد لنا المقاتلات الحربية «وسطية الاسلام».. ربما تقتل رجال داعش.. لكنها لن تقتل الأفكار.. الأفكار لها أجنحة.. وهى كأصحاب الكرامات، وأهل الخطوة.. تتواجد فى أكثر من مكان فى نفس الوقت.. لذلك.. لم تستغرق كثيرا من الوقت للطيران.. من مساجد الحلمية.. وشبرا.. فى مصر، إلى أدلب السورية.. ودرنة الليبية!!
ليس قدرا.. لكنه قضاء فعلناه بأنفسنا. فما أصابكم من سوء.. فمن مشايخكم! •
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف