الوطن
د. محمود خليل
وأنا فلاح يا ربى.. أنا فلاح
تحمل الزيارة التى قام بها الرئيس «السيسى» لإحدى الأسر بالفرافرة على هامش إطلاق ضربة البداية لمشروع الـ1.5 مليون فدان العديد من الدلالات. أولاها مهنة رب الأسرة المواطن «سيد أحمد سيد» الذى وقف أمام الرئيس كفلاح مصرى يعيش فى منزل ريفى من منازل المشروع. واتضح بعد ذلك أنه ليس فلاحاً بالمعنى الدقيق، فقد نشر موقع «المصرى اليوم» أن «عم سيد» حاصل على دبلوم المعلمين، وعمل مدرس تربية رياضية، ثم موظفاً بالعلاقات العامة بالإدارة التعليمية بالفرافرة، وكان عضوا بالمجالس المحلية قبل ثورة 25 يناير. هذه المعلومات أثارت بعض الحيرة، فمنطق الأشياء يقول إن الأوجب أن يلتقى الرئيس بفلاح حقيقى، وليس فلاحاً مصنوعاً ممن نراهم فى الأفلام العربى، خصوصاً وأننا بصدد مشروع استصلاح أراض، وقد ذكر عم سيد فى حواره مع المصرى اليوم أنه حاصل حالياً على إجازة بدون مرتب، ويعمل كمورد أغذية لعمال المشروع!. يعنى الرجل معلم سابق وتاجر حالياً. وهذا لا يعيبه بالطبع، لكن العيب أن يقدم لنا كفلاح لمجرد أنه ارتدى جلابيب الفلاحين، وحتى لو كان كما ذكر فى حواره «ابن فلاح» تعلّم الزراعة فى أملاك والده. يعنى «كمان» من ذوى الأملاك، والخير أن توهب الأرض لمن يزرعها، أو لمن لا يملك أرضاً ويريد أن يعمل فى الزراعة.

الدلالة الثانية تتعلق بالمعلومة التى تشير إلى أن «عم سيد» كان عضواً سابقاً بالمجالس المحلية قبل ثورة يناير! وهى معلومة قالها الرجل على سبيل الوجاهة، لكنها أثارت لدى البعض علامات استفهام ودفعتهم إلى شحن قدرتهم على استرجاع المشاهد الماضية ليتذكروا «زكريا عزمى» أحد رجال «مبارك» وعبارته الشهيرة «الفساد فى المحليات للركب»، والأهم من ذلك تذكر تركيبة أعضاء هذه المجالس والتى سيطر عليها الحزب الوطنى فى ظرف زمنى كان من الصعوبة بمكان على أى شخص يريد أن يصبح جزءاً من تركيبة المجالس التشريعية أو المحلية أن يغرد بعيداً عن الحزب الحاكم. قد لا يكون عم سيد جزءاً من هذه الذكريات، لكن المجالس المحلية أيام «مبارك» لها ذكريات غير لطيفة لدى الكثيرين.

أما الدلالة الثالثة فتتصل بالحالة الإعلامية التى نعيشها حالياً بفضل وسائل التواصل الاجتماعى والتى أتاحت الفرصة لمن اهتموا بموضوع عم سيد ليتداولوا صوراً له، لست أدرى مدى دقتها، وهو يرتدى «بدلة» كاملة، لم يكن شكله فيها يقل وقاراً عن شكله فى الجلباب وهو يشرف بلقاء الرئيس، حتى ينفوا عنه صفة الفلاح. والرجل -من ناحيته- لم يقل ذلك، بل ذكر المهن التى امتهنها دون مواربة، وأردفها بقوله إنه «ابن فلاح» تعلّم الزراعة فى أملاك أبيه. وعموماً فلست ممن ينشغلون بالزى المرتبط بمهنة معينة، وأعتب على بعض السينمائيين والتليفزيونيين الذين يرون ضرورة فى أن يرتدى الممثل جلباباً حتى يقتنع المشاهد أنه أمام فلاح. وهو نوع من التزيُّد فى صناعة الشخصية، ولم يعد ينقص بعض الشغوفين بهذا اللون من الصناعة سوى أن يضعوا «يافطة» على صدر بطل المشاهد الريفية مكتوب عليها: «أنا فلاح يا ربى.. أنا فلاح»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف