أحمد سليمان
في حب مصر حكايات "الصحافة والحكم"
وجبة ثقافية دسمة . جولة سريعة تحتوي علي محطات تشبع غرور معرفة ونهم كل متابع لكواليس ما كان يدور في مطبخ الحكم والمطبخ الصحفي في عهود مضت بحكم ارتباط المطبخين بإعداد وجبات إجبارية للمواطنين . لابد من تناولها شاءوا أم أبوا . هذه الوجبة وهذه الجولة وهذه المحطات يكشفها كتاب أستاذنا وشيخ الصحفيين الكاتب الكبير الأستاذ محمد العزبي ¢الصحافة والحكم¢ الصادر عن سلسلة "كتاب الجمهورية" التي يرأس تحريرها الزميل الخلوق المثقف سيد حسين . الذي ذكر في مقدمة الكتاب أن الأستاذ العزبي يؤرخ للوطن وللصحافة من خلال هذا الكتاب بوصفه شاهداً علي العصر . ويحاول أن ينكأ الجراح كي تتطهر الصحافة من أدران بعض من انتسبوا إليها ليظهر وجهها الصبوح المليح . ولكني أعتقد ـ وهذا رأيي أنا ـ أن ذلك أصبح بعيد المنال بعد أن طغي الدخلاء وأصبحوا يمثلون الأغلبية الغالبة في الوسط الصحفي والدليل ما تعيشه المؤسسات الصحفية من أزمات في الفكر والسلوك وصل لدرجة السفالة وقلة الأدب من محررين صغار في حق رؤسائهم .
الحكايات التي ذكرها الأستاذ العزبي في كتابه كثيرة ومنها ما ذكره عما كان يحدث داخل مؤسسة الرئاسة عند استضافة أي وفود من المصريين سواء صحفيين أو فنانين أو رياضيين .. حيث يمنع نهائياً تحرك أي من الموجودين من مكانه إلا بتعليمات ولكن عندما شعر عادل إمام بالزنقة وأراد دخول الحمام كان ذلك انفراجة لكثيرين.
لعل الكثيرين من الصحفيين قبل القراء لا يعرفون سبب تسمية الصحف القومية بهذا الاسم . فمرة يقال صحف قومية ومرة أخري صحف حكومية ولكن الكتاب ذكر سبب هذه التسمية وهو أنه كان قد صدر قرار تأميم الصحف وآلت ملكيتها للاتحاد القومي وهو التنظيم السياسي الوحيد وقتها فتمت نسبة الصحف للاتحاد وذلك بعد وقائع عديدة من الكتاب الصحفيين سببت حرجاً وقلقاً للقيادة السياسية وقتها مثل كاريكاتير علي غلاف روز اليوسف تبدو فيه فتاة دلوعة تفتح دولاب غرفة نومها فتجده مليئاً برجال في كامل ثيابهم علي الشماعة تختار منهم من يروق لها لتذهب به إلي النادي . وكان قد تكرر ذلك في كاريكاتيرات أخري في غرف النوم . أما مانشيت جريدة الأخبار فكان القشة التي قصمت ظهر البعير. كان المانشيت يحمل عنوان ¢مصرع السفاح¢ في سطر وفي السطر الثاني أسفله ¢عبد الناصر في باكستان¢ دون فاصل بينهما مما اعتبره أولو الأمر سوء نية من جانب أصحاب الصحيفة . بالإضافة إلي غير ذلك من مواقف مثل مقالات إحسان عبد القدوس وأحمد أبو الفتح التي لم ترض النظام.
تناول الكتاب حقيقة من يكتبون للرؤساء عبد الناصر أو السادات أو مبارك. ورأي الرئيس السادات في أن من يتولي أي منصب صحفي لابد ان يتم السيطرة عليه .فقد حدث خلال اجتماع السادات مع عدد من القيادات الصحفية بالقناطر الخيرية ومن بينهم صلاح جلال نقيب الصحفيين أن تجرأ النقيب وطلب من السادات الذي كان يتحدث عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل أن يتم تطبيع العلاقات أولاً بين مؤسسة الرئاسة ورؤساء مجالس إدارات الصحف والعاملين فيها .فما كان من السادات إلا أن قال في سخرية موجهاً كلامه لنقيب الصحفيين: إنت اسمك إيه؟ فرد النقيب:صلاح جلال يافندم . ثم تكلم جلال مرة أخري خلال الاجتماع ولم يعجب كلامه السادات للمرة الثانية فسأله من جديد: انت قلت لي من شوية اسمك إيه؟ . سكت صلاح جلال ولم يرد . ولكن السيدة جيهان السادات التي كانت تحضر الاجتماع التفتت إلي الرئيس السادات وقالت له مستغربة: حد ما يعرفش صلاح جلال يا ريس؟ فقال لها السادات: "اسكتي انتي يا جيهان إنتي ما تعرفيش حاجة".
وفي عهد مبارك دعا الشيخ شمس الدين الفاسي رجل الأعمال والمليونير السعودي الشخصيات العامة من كل الفئات لحضور عيد ميلاد حفيدته . وفي الحفل اختلط البشر من كل شكل ولون . فتجد رجالاً في ثياب نساء ونساءً في ثياب رجال وأصحاب فضيلة جنباً إلي جنب مع أصحاب رذيلة . أصحاب أقلام مشبوهة وبائعي بطاطة مغمورين ـ بالمناسبة هذا بالضبط ما يحدث الآن في حفلات الأعياد القومية لسفارات دول الخليج بالقاهرة ـ وحين انتهي الحفل وتعبت الألسنة بالثناء والفضل قام الفاسي بتوزيع المنح والعطايا وظن أنه أحكم قبضته علي الأقلام والحاضرين وقال للمحيطين: هكذا تكون السياسة والكياسة والرئاسة .. إذا استطعت بأموالك أن تشتري الحقيقة وتعتقل الأفكار في دفتر الشيكات فلا عليك!!
لم يغفل الكتاب غراميات الكتاب الصحفيين الكبار أمثال محمد حسنين هيكل ومصطفي أمين وكامل الشناوي ويوسف إدريس وموسي صبري وعبد الفتاح البارودي.
واقعة طريفة حدثت في عهد مبارك . استعارها كاتبنا الكبير محمد العزبي من كتاب زميلنا المرحوم الصحفي النابه محمد عيداروس ¢كل نساء الهانم¢ عندما اتصلت سوزان مبارك برئيس الوزراء أحمد نظيف تطلب منه تغيير وزير التعليم .فلم يعرف وقتها أي وزير تقصد وخشي من مراجعتها فتخلص من الاثنين وزير التربية والتعليم أحمد جمال الدين موسي ووزير التعليم العالي عمرو عزت سلامة!!!