المساء
مؤمن الهباء
شهادة سد النهضة.. نصف اتفاق
كانت الجولة العاشرة لمفاوضات سد النهضة بالخرطوم شاقة ومرهقة كما الجولات السابقة.. فالقضايا المطروحة علي المفاوضين مصيرية.. والرأي العام ضاغط ومتابع بدقة.. وكاميرات الصحافة والإعلام تلاحق الجميع.. وهو ما جعل الأعصاب مشدودة طوال الوقت.. واستدعي إطالة أمد المفاوضات ليوم ثالث.. وعندما خرج المنتج النهائي في صورة وثيقة الخرطوم التي وقعها وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا أصيب البعض بالإحباط وروج للفشل.. بينما أسرف آخرون في التفاؤل وانخرطوا في التهليل.
وعندما يتعلق الأمر بتقييم منتج نهائي لمفاوضات شاقة ومصيرية مثل مفاوضات سد النهضة يجب علي الجميع التزام أقصي درجات الحذر والموضوعية.. بلا مزايدات أو تهوين أو تهويل.. لسنا في وضع يسمح بشيء من ذلك.. الأمر جد لا هزل فيه.. والقضية قضية حياة أو موت بالنسبة لمصر والمصريين.
لقد تضمنت وثيقة الخرطوم خمسة بنود أساسية لم تحدث اختراقا كبيرا يضمن لمصر حصتها التاريخية كاملة في مياه النيل - 55 مليار متر مكعب - لكنها تحدثت لأول مرة عن الأمن المائي لمصر دون تحديد لحجم وطبيعة هذا الأمن.. وكان المكسب الوحيد منها بالنسبة لمصر هو النص علي الشواغل - أو المخاوف - المصرية لكن دون حلها.
لم تحقق الوثيقة لمصر تقدما حقيقيا في أهم مشكلتين حول السد وهما ملء الخزان والسعة التخزينية له.. حيث تطلب مصر أن تمتد فترة الملء 11 عاما حتي لا تتأثر حصتها بانخفاض حجم التدفق لكن إثيوبيا تصر علي 6 أعوام فقط.. وتطلب مصر ألا تزيد السعة التخزينية عن 50 مليار متر مكعب لكن إثيوبيا تصر علي 74 مليارا.. ومن أجل ذلك تم إرجاء النقاش حول هاتين القضيتين الحيويتين.
أما ما تم الاتفاق عليه - حسب الوثيقة - فيتعلق بالأمور الإجرائية.. فقد تم تحديد مكتب فرنسي بديل للمكتب الهولندي المنسحب ليقوم بـ 30% من الدراسات الفنية مع المكتب الذي اختارته إثيوبيا من قبل - وهو فرنسي أيضا - ليتولي 70% من الدراسات.. وتم تحديد فترة إنجاز الدراسات فيما بين 8 إلي 12 شهرا.. وهي فترة طويلة تهدر عام 2016 في جدل الدراسات والمكاتب بنفس الطريقة التي جري بها إهدار عام 2015.. بينما أعمال البناء وإجراءات التشغيل تجري علي قدم وساق لتضعنا أمام الأمر الواقع.. ويصبح من المستحيل إجراء أي تعديل في المواصفات بعدما أصبح السد حقيقة لا تقبل التغيير أو التعديل.
وتضمنت الوثيقة في البند الرابع تشكيل لجنة فنية جديدة من الدول الثلاث تجتمع في أول يناير بأديس أبابا لتقديم تقرير لاجتماع وزراء الخارجية القادم لبحث إمكانية زيادة عدد فتحات السد طبقا لطلب مصر.. وإذا ما قررت اللجنة أن تكون هناك ضرورة لهذه الفتحات فسيتم المطالبة بها.. وإن لم تكن حيوية ومهمة لن يتم الالتزام بها وفقا لما يقوله الرأي الفني.
وثيقة الخرطوم علي هذا النحو لا تشكل نقلة نوعية ولم تقدم اتفاقا كاملا.. ربما قدمت نصف اتفاق.. وسارت علي نفس الدرب الذي سارت عليه الاتفاقات السابقة.. ووضعت خريطة طريق جديدة للمسار الفني.. وهذا لا يقلل من شأنها.. لكنه علي وعي بما تحقق وبما يجب أن يتحقق.. وما يجب أن نصر عليه حتي وإن طال الزمن.
نعرف أن القضية شائكة.. والتحديات أمامنا كبيرة.. لكن ليس أمامنا خيار آخر.. خيارنا الوحيد هو ألا تمس حصتنا المائية.. وهذه رسالة يجب أن تصل واضحة قوية إلي الشريك الإثيوبي والشريك السوداني.. والشركاء الآخرين في حوض النيل.. ومن يلومنا اليوم علي أننا قد غفونا عن حقنا طويلا وأهملنا دورنا - كما قال الوزير السوداني - نقول له عندك حق.. لكننا عرفنا خطأنا واستيقظنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف